تسيير الصفقات العمومية على المستوى المحلي أصبح هاجسا مقلقا لدى رؤساء البلديات الذين لم يعد بإمكانهم اتخاذ القرار الصائب في وجود المراقب المالي الذي يرفض رفضا قاطعا التأشير على أي مشروع بدون أن تكون كل الوثائق جاهزة لا يشوبها أي لبس أو يكتنفها أي غموض معيّن.
هذه المعاينة واقعية اليوم أدّت برئيس المجلس الشعبي البلدي إلى عدم المغامرة في مناقصات قد تؤدي به إلى ما لا يحمد عقباه، لذلك فإن شعاره في الوقت الراهن هو الترقب والإنتظار ومرافقة الأشياء البسيطة على المستوى المحلي كتسوية الحفرات، وتسريح البالوعات وقصّ أوراق الأشجار، وطلاء الجدران، وغير من الأعمال العادية جدّا التي لا تسبب له مشاكل لا يتمناها أبدا كإدخاله في متاهات لا مخرج لها.
ويسجّل حاليا تراجع في التكفل بانشغالات السكان نظرا لهذا الموقف التحفظي الموجود لدى رئيس البلدية وتعطيل مسار التنمية على المستوى المحلي. كون المسؤول الأول يرفض أن يكون ضحية تقديرات لم تكن في الحسبان بالنظر إلى ما تحمله المشاريع من أرقام خيالية قد تتجاوزه بكثير أحيانا ويقع في التشويش الحساب الذهني، وهذا بعد أن تمّ رفع سقف الصفقة إلى ٨٠٠ مليون سنتيم، بعدما كانت ٤٠٠ مليون سنتيم لتمر على لجنة الأسواق التي تفصل في مثل هذا الأمر.
ولا نستغرب من سماع أراء متشدّدة من طرف مسؤولي البلديات، هذا كله من أجل إبعاد المشاكل عنهم وتنزيه أعوانهم المشكلين للجنة الصفقات العمومية، أي حمايتهم من كل طارئ.. يفضلون ترك الأوضاع عالقة بدلا من وقوعهم في أخطاء ناتجة عن عدم التقييم الجيّد للمشروع الذي هو أمامهم ثم تعترضهم متابعات أخرى هم في غنى عنها.
لابد من القول هنا، بأن تسيير شؤون بلدية ليس وليد نزوات ذاتية نابعة من حبّ الإشراف والتوّلي.. بل هي مسؤولية مرجعيتها القوانين الصارمة التي ترفض التلاعب بالمال العام، واضعة حدود لا يسمح بتجاوزها أو تخّطيها من أجل أغراض لا تليق بمفهوم التنمية المحلية، لهذا فإن المشرّع حرص على سنّ قانون للصفقات العمومية واضح في مساره عندما يتعلق الأمر بالمال العام الذي يخصّص للمشاريع على أن تكون قائمة على ملف موثق بكل الأوراق الضرورية التي يقبل أو يوافق عليها المراقب المالي.
هذا التشخيص الملاحظ اليوم، ما هو إلا وقائع ملموسة متوفرة على مستوى البلديات، والكل يخاف من تسيير لجنة الصفقات العمومية التي تحوّلت إلى “عش بوزنزل” قد تلسع أي محاولة لمسها أو التقرب منها، وفي هذا السياق أدرجت وزارة الداخلية والجماعات المحلية محور الدورات التكوينية المعدة لهذا الغرض.
ويتوجه هذا “التدريب” إلى كل المعنيين بهذا الجانب خاصة ذوي الكفاءات في اختصاص مالية ومحاسبة ومراقبين ومفتشين الذين بإمكانهم تلقي المبادئ العامة لتسيير الصفقات العمومية، لذلك فإنه من الضروري إعادة النظر في الموارد البشرية التي توجد على مستوى البلدية، وهذا بتوظيف أصحاب الشهادات، الذي بإمكانهم مرافقة هذه اللجنة عندالضرورة أي خلال فتح الأظرفة والمقاييس التي تتطلّب كيفية منح التنقيط المالي والتقني. وهذا وفق دفتر الشروط المعمول به في مثل هذه الحالات الخاصة.
ومثل هذا العمل يسعى من أجل إزالة كل الشبهات تجاه ما يعرف بالصفقات العمومية. وإدخالها ضمن سيرورة الأداء العادي القائم على احترام القانون لا أكثر ولا أقل، بإضفاء عليها الفعالية في الأداء وحسن الاختيار للمشاريع الأقل تكلفة والتي تحترم فيها آجال الإنجاز كذلك، وتوفر كل أدوات العمل.
القرار الصائب
جمال أوكيلي
14
ديسمبر
2014
شوهد:613 مرة