تتداول الأيام وراء بعضها، وتأخذ ذكريات الأصدقاء من الشعراء والأدباء والكتاب، أمكنتها مخضبة بالحنين وبالكلمة الصادقة، تأبى الرحيل، وتصر على إعمار الأمكنة.
في عددنا لهذا الأسبوع نخصصه وقفة للشهيد الشاعر عبد الله شاكري الذي أغتيل في ذلك اليوم المشؤوم ١٨ نوفمبر ١٩٩٤ بحي السرول بمدينة عنابة تاركا خلفه قصائدا يتيمة وأشعارا تنتظر من يمد لها يده، لتكبر كالأغنيات والأغاني.
كان مرهف الحس، طيب السريرة، حسن الخلق، فرح الطلق، منتعشا كتابة حد الذهول، مشاكسا تراه في لقاءاته مع الأصدقاء، وجنتاه تشعان حزنا.. من يتم أقهره في طفولته وتحمل شقاوة الحياة لوحده ، كان رجل البيت .. ومعيل أسرته الوحيد.
كتب الشهيد شاكري أحزانه العديدة وترجمها بشعر، يرتله على منابر ثقافية، قدم كل كتاباته قربانا للوطن الذي أحبه.. وتحمل من أجله وطيس الغيرة وكل مؤامرات المارقين، الذين حاولوا طمس تاريخ ثورته المجيدة، ونكران تضحيات شهدائه، في هذا الوقت الحرج جدا،، بعدما تنكر بعض الأشباه للوطن..قدم عبد الله من أروقة “ حي السرول” وأعلن نفسه فداء الوطن المفدى انخرط رفقة أبناء الوطن الخيرين والأحرار والشرفاء، في خط المواجهة.. وهو الشاعر الذي لم يحمل مسدسه يوما، لأنه كان يقول كلماتي أقوى من رصاصاتهم الغادرة.
تنبأ بموته في قصيدته الأخيرة “ همس الصهد” وكتب” صاحبي صار يهذي”.. وكتب أيضا “بكائيات الوداع” عشرون سنة مرت على رحيله، والذاكرة مازالت تحمله إنسانا محبا للخير ووديعا وصوتا شعريا متميزا، شق طريقه الإبداعي
الأدبي، وكان ظاهرة أدبية، أسس لنفسه دربا في الكتابة، لكن إرادة السماء كانت أبلغ حكمة، وأخذته القدرة إلى جوارها وحتى لاتذهب هذه القامة الأدبية سدى، أرفع نداءً من منبر “الشعب” إلى السلطات لتخليد هذا الإسم في تأسيس جائزة تحمل اسمه، سواء وزارة الثقافة أو المديرية العامة للأمن الوطني باعتباره فردا من رجالاتها المخلصين، كأن نطلق اسمه على دفعة تخرج مثلا، أو أن يحمل مدرج محاضرات شخصية هذا الشهيد الشاعر، لأنه يستحق أن يخلد هذا الطيب القادم من جبال هوارة، ومرمورة، وبوشقوف، يحمل تاريخ أبطالها الأشاوس، وحتى تبقى حكايته مفخرة للأجيال القادمة.