أشار السياسي الأميركي المخضرم هنري كيسنجر، إلى أنّ أكثر ما بات يهدّد العالم الآن هو وجود دول بلا مؤسّسات ولا حكومات، وضرب مثالا بليبيا التي تعيش على الفوضى التي تلت إسقاط مفهوم الدّولة كوحدة سياسية.
ودعا كيسنجر العالم إلى عدم السّماح بتكرار ما حدث في ليبيا، التي تحوّلت إلى أرض بلا دولة ومستودع أسلحة للجماعات الارهابية والاجرامية يهدّد أمن المنطقة برمّتها.
ليبيا التي انحدرت إلى مرحلة “اللاّدولة” حيث لا سلطة إلاّ لسلطة العنف والفوضى ولا سيادة إلاّ لقانون الغاب، تواجه فعلا وضعا كارثيا ولا تبدو أي نهاية للنّفق المظلم الذي دخلته قبل ثلاثة أعوام بدفع من “الناتو”، الذي قذف بها إلى فوهة بركان بزعم تخليصها من الدّيكتاتورية، ثم ما لبت أن تركها فريسة بين أيدي مليشيات مسلّحة متصارعة على السّلطة تتجاذبها أطراف داخلية وخارجية لتنفيذ أجنداتها المشبوهة، التي ترمي في الأساس إلى تفتيت الوحدة التّرابية والشّعبية لأرض الثّائر البطل عمر المختار، ونهب ثرواتها والزجّ بأبنائها في احتراب داخلي المنتصر فيه منهزم،
وجعلها بؤرة توتّر متفجّرة تلقي بحممها على المنطقة بأسرها فتحرقها.
ما تعرفه ليبيا اليوم من فوضى أمنية وتعثّر في إعادة بناء مؤسسات الدولة إلى درجة أنّها تعيش بحكومتين وبرلمانين وجيشين، يعود بالأساس إلى الخيار العسكري غير محسوم العواقب الذي أخدته أوروبا وبعض البلدان العربية لإسقاط النّظام السّابق، وتعمّدها تهديم كل مؤسسات الحكم التي كانت قائمة على قلّتها وهشاشتها، ما أحدث فراغا رهيبا وجعل الوضع ينفلت ويسقط ليبيا في الهاوية، ولا يمكن إعفاء “الناتو” من المسؤولية، أو اعتبار ما حصل بعد تدخله فعلا غير مقصود، بل على العكس تماما، فالتّجارب تؤكّد بأنّ التدخلات العسكرية التي تفضي إلى تهديم مؤسسات الحكم كما وقع في العراق، تفضي بالضّرورة إلى الفوضى والعنف والانزلاق نحو الاقتتال الداخلي، وطبعا هذه الأجواء المتعفّنة هي التي يريدها لصوص الثروة لنهب ما أمكنهم من ذهب أسود تزخر به الأرض الليبية والعراقية.
لا شك أنّ هذا بالضبط ما خطّط له الغرب الذي نراه غير مبالي بما ترتّب عن تدخّله العسكري في ليبيا، ومتقاعس عن السّعي لإيجاد مخرج للأزمة التي كان واحدا من صناعها، لأنّه باختصار مستفيد منهاوالدليل انهيار أسعار النّفط بفعل إغراق السّوق السّوداء بنفط منخفض الثّمن.
كيسنجر وضع أصبعه على الجرح لا أكثر ولا أقل، لكنه لم يأت بجديد لأنّ الجميع بعلم بأنّ ليبيا أصبحت بلا مؤسسات، ومهدّدة بحرب أهلية مدمّرة.
لكن يبقى المهم اليوم هو إنقاذها وتحريرها من قبضة المليشيات عبر مبادرة سلمية تقوم على الحوار الجامع الذي يضع مصلحة ليبيا فوق الحسابات الشّخصية والقبلية والمناطقة.
من ينقذ ليبيا؟
فضيلة دفوس
01
ديسمبر
2014
شوهد:510 مرة