بعد أن أخفقت منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبيك) في تقليص الإنتاج وإبقائه بحجم 30 مليون برميل/ يوميا، مما أدى مباشرة إلى استمرار تراجع أسعار البرميل إلى مستوى يستدعي الانشغال والقلق من الحكومات المعنية، بما فيها الجزائر، تتأكد مجددا ضرورة تفعيل الخيارات البديلة، لإرساء اقتصاد متنوع، منتج للقيمة المضافة وله طاقات للتصدير، بما يعوض الفارق الذي يحدث جرّاء تقلبات أسعار المحروقات ومن ثمة ضمان تمويل التنمية. ويقع على عاتق القطاع الوطني الخاص في هذا الظرف، واجب الانتقال إلى درجة متقدمة من المساهمة في الاستثمارات الوطنية، وذلك بتجنيد وحشد موارده المختلفة، باعتباره شريكاً معنياً أيضا بإنجاز هدف تحقيق نسبة النمو المطلوبة، لإبعاد أي خطر محتمل عن المنظومة الاقتصادية الوطنية. ويكون هذا الانخراط بمبادرة ذاتية أو بالشراكة مع القطاع العام، في ظل وضوح موقف الدولة وإجماع كافة الشركاء، ضمن إطار الثلاثية، على أن التعامل يتم مع المؤسسة الاقتصادية الإنتاجية دون أي تمييز بشأن طابعها القانوني، خاصة وأن البرامج الاستثمارية الكبرى توفر فرصا ثمينة للنجاح مثلما أكدته استثمارات لمتعاملين أجانب حققوا أحلامهم وأكثر في السوق الجزائرية.
وبالفعل، يقف القطاع الوطني الخاص اليوم، في محطة أشبه بمفترق طرق، وليس أمام المؤسسة الخاصة من خيار سوى البقاء في ثوب تقليدي، مع انغلاق على الذات، تخشى الشفافية والوضوح، أو ـ وهو الاتجاه السليم ـ التحول إلى متعامل اقتصادي بالمعنى الصحيح من خلال الانفتاح على المحيط وقبول قواعد السوق والمنافسة ومن ثمة الارتقاء إلى مصفّ المؤسسة الاقتصادية المنشئة للثروة القابلة للديمومة دون سند من الدولة أو حماية لها من المنافسة. إنها الروح التي ينتظر أن يدخلها الرئيس الجديد لمنتدى رؤساء المؤسسات، علي حداد، إلى جسم القطاع الوطني الخاص بالعمل وبشكل واقعي وشفاف على إقحام المؤسسة الخاصة المنتجة للثروة والموفرة لمناصب العمل في الديناميكية التنموية. وذلك عشية الشروع في تجسيد البرنامج الخماسي المقبل. ومن الطبيعي أن يخضع مشروع هذا الأخير للتدقيق من كافة الجوانب وإعادة ترتيب ورقة الطريق، بالحرص على ضبط الأولويات الاستراتيجية واتخاذ التدابير اللازمة، بعيدا عن وقوع محتمل تحت تأثير مراكز نفوذ أو جماعات مصالح محلية أو أجنبية، تستثمر في محاولة تمرير مواقفها الاقتصادية - مثل المطالبة بإلغاء قاعدة 49/51 المطبقة على الاستثمار الخارجي - على تقلبات أسعار المحروقات.
للتذكير، كان إدراج هذه المادة، التي لم تشكل عائقا أمام عديد المتعاملين الأجانب الجادّين، غداة تلاعب أحد المستثمرين الأجانب بمشروع حيوي أعاد بيعه لمتعامل أجنبي، بعد أن استفاد من تحفيزات الاستثمار المختلفة، وهي حقيقة يعرفها أعضاء منتدى رؤساء المؤسسات قبل غيرهم.
لذلك، من المفيد الالتزام بخط سير يتطابق مع الأهداف الحيوية الكبرى للبلاد، التي تقتضي التفاف كافة القوى الفاعلة وصاحبة الإمكانات حول خيار استراتيجي تتقدمه المصلحة الوطنية، بتحقيق التعاون والتكامل بين الشركاء الوطنيين وفقا لمعايير النجاعة والتوجه للعمل في قطاعات تملك فيها الجزائر أوراق النجاح، مثل الفلاحة والصناعة الغذائية والسياحة، بدل إضاعة مزيد من الوقت في جدل لا يستفيد منه سوى المضاربين المحسوبين على القطاع الخاص. هذا الأخير، وقد حانت ساعة الحقيقة، مطالب بأن يتدارك التأخر بالتحول وبسرعة إلى قطب يتصدر المشهد محليا وينازع منافسيه إقليميا، من خلال تجميع منظماته المشتتة، فتنخرط في مواجهة التحديات، بما يضمن وصول الاقتصاد الوطني بكل مكوناته، بعد أن تهدأ عاصفة أسعار برميل البترول إلى بر الأمان وبأخف الأضرار المحتملة.
كي لا يضيع مزيد من الوقت...
سعيد بن عياد
29
نوفمبر
2014
شوهد:552 مرة