بلغت تجاوزات التجار في أسواق الخضر والفواكه حدا لا يطاق مهددين بذلك مناخ الاستقرار بما يقوض جهود التنمية التي تحرص عليها الدولة، واخذ مفهوم اقتصاد السوق منحى خطيرا بهيمنة جانب حرية الأسعار دون أن يقابله واجب الضبط الذي يقع على عاتق وزارة التجارة قبل غيرها. وأمام تنامي فوضى السوق واختلال معادلة العرض والطلب بفعل الاحتكار والمضاربة، خصوصا على مستوى أسواق الجملة وشبكة غرف التبريد، أصبح لزاما المرور إلى مرحلة جديدة في تنظيم السوق وفقا للمفهوم السليم لقانون العرض والطلب، من خلال اعتماد جملة من التدابير التي تضمن الشفافية في فضاءات استفادت بشكل غير مسبوق من جهود الدعم المختلفة التي سطرتها السلطات العمومية. لقد استفاد قطاع الفلاحة من عمليات مرافقة ودعم ذات طابع مالي ومادي وجملة من الإعفاءات، مقابل انتظار أن تعود بالفائدة على المستهلك عن طريق تكثيف الإنتاج وتموين منتظم للأسواق. وجاء بناء منظومة غرف التبريد كإحدى الضمانات التي تنهي حالة الندرة وتحفز الفلاحين على الزيادة في إنتاج المواد المصنفة إستراتيجية على غرار البطاطس، التي تجاوزت أسعارها السقف المعقول، نتيجة وجود تلاعب مفضوح من جماعات المصالح الذين يبسطون سلطانهم كالإخطبوط على منظومة الإنتاج والتوزيع والتسويق مستفيدين من غياب رقابة ذكية وحاسمة، ينبغي أن تتحرك دواليبها لتاطير وحماية السوق من المنتج إلى المستهلك مرورا بالتاجر الملتزم بأخلاقيات التجارة. ودون المساس بمبدأ حرية الأسعار، يمكن الشروع في تفعيل آليات اقتصاد السوق المتعلقة بإجراءات الضبط، بما يضمن الوضوح والمنافسة النزيهة من خلال اعتماد العمل بلائحة الأسعار الأسبوعية ونظام الفوترة وإخضاع غرف التبريد للمراقبة الدورية على سبيل المثال، وهي مهمة على عاتق قطاع التجارة، إلى جانب متابعة في الميدان لمدى التزام الفلاحين بقواعد استغلال الأراضي والتدقيق في استعمال ومآل الموارد المالية المخصصة للدعم، في وقت يجمع فيه كافة الخبراء على أن اقتصاد السوق بلغ مرحلة التقويم من اجل إنهاء حالة اللّاوضوح وتأسيس مرحلة “المهنية”، وبالتالي العمل عل كسر مراكز نفوذ بارونات التجارة في سياق مكافحة الفساد . وبالطبع لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير موجة الغلاء التي تلهب جيوب المواطنين، في ظل غياب معايير لتحديد هوامش الربح وانتشار مظاهر الغش وغيرها من التجاوزات التي يتورط فيها فلاحون وسماسرة وتجار كبار، ينبغي أن يدخلوا تحت مظلة القانون ليساهم كل في مجاله في مجهودات تكريس مناخ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والذي تلعب فيه الأسواق دورا أساسيا، من منطلق ضرورة التوصل إلى تحكم في تركيبة وبناء الأسعار، التي يجب أن تحكمها معايير اقتصادية واضحة ولا تبقى عرضة لتلاعبات يشوبها غموض، حان الوقت لتبديده بفضح واقع أسواقنا، خاصة على مستوى غرف التبريد التي جاءت في الاصل لتكون حلا لمشكلة الندرة فتحولت إلى مصدر لها، ويكون ذلك من خلال قيام كل طرف معني بما يستوجبه القانون، والتوقف عن الاختفاء وراء شعار اقتصاد السوق بمفهوم غير دقيق تستفيد منه أطراف على حساب أخرى.