عـاد نوفمــبر..

أحمد دبيلي
30 أكتوير 2014

يعود نوفمبر اليوم في شموخ وكبرياء محمّلا بالذكريات بعد 60 سنة من الإعلان في غرته المباركة عن ثورة حرّرت شعبا من براثن الاستعمار وقيود عبودية دامت 130 سنة.
ذكريات... مآثر وملاحم وقّعها رجال عظماء بالحديد والنار وانهار من الدماء والدموع، وبضريبة بلغت مليونا ونصف المليون من الشهداء والآلاف من الأرامل واليتامى، لتنعم بعدها أجيال هذا الوطن تحت ظلال الحرية والأمن والاستقرار.
لقد كان لنداء بيان أول نوفمبر 1954، الذي وجهته الكتابة العامة لجبهة التحرير الوطني إلى الشعب الجزائري، على أن جبهة التحرير هي جبهته وانتصارها هو انتصاره، وأن هذه المجموعة من خيرة الشباب الجزائري المسؤول، المناضل الواعي العازم على مواصلة الكفاح، سوف يقدم للوطن أعز ما يملك، حتى كان لهذا النداء أكبر وقع على قلوب الوطنيين الأحرار بعد أن بث فيهم اليقين على أن ما اغتصب بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، فتحولت بذلك ليلة الفاتح من نوفمبر، ليلة قدر شاءت لها الحكمة الإلهية أن تنير سماء الجزائر بعد ظلام دامس فرضه المستعبد على شعب حر كان ولا يزال دوما يعشق التحرر وفضاء الحرية.
وقد اختزل شاعر الثورة الجزائرية هذا “القدر النوفمبري” في أبيات شعرية أزلية دوّت بها حنجرته الجهورية فضاءات ربوع الوطن، مثلما دوّى صفير رصاص سلاح المجاهدين الأحرار على كل شبر من هذه الأرض المباركة والتي روتها دماء الشهداء الزكية الطاهرة، فهو القائل:   
نوفمبر جل جلالك فينــــا
ألست الذي بث فينـا اليقينــا
سبحنا على لجـج من دمانــا
وللنصـر رحنـا نسوق السفينـا
ولولا التحام الصفـوف وقانـا
لكنـا سماسـرة مجرمينـــا
ويكرر نفس الصورة في إلياذته، إذ يقول:
تأذن ربك ليلـة قــــــدر وألقى الستــار على ألف شهـر
وقال لـه الشعب: أمـرَك ربــي وقال لـه الرب: أمــرُك أمـري
نوفمبــر غيّرت فجر الحيــاة وكنت نوفمبـر مطلـع فجــر
وذكرتنـا في الجـزائر بــدرا فقمنـا نضاهـي صحابــة بدر.
يعود إذاً شهر نوفمبر هذه المرة وفي كل مرة شهرا قدريا، بعد أن غيّر فجر الحياة وكان مطلع فجر جديد على شعب أراد التحرر والانعتاق، حيث أبت الأقدار إلا أن تلين لإرادته مادام حب الوطن والذود عنه من الإيمان، وأن إرادة الشعوب لا تقهر وهي تناشد الحق ولن ترضى إلا بالحق والعدالة والحرية التي تأسست عليها كل دساتير العالم.
وإذا كنا اليوم في الجزائر نعيش في كنف الاستقلال والحرية، فإنه بفضل “موروثنا النوفمبري”، هذا الموروث الذي يجب أن نسعى دائما توريثه للأجيال القادمة وأن يبقى لصيقا بشخصيتنا الوطنية مثله مثل رموز الثورة التحريرية المجيدة وكل الرموز التاريخية الأخرى والتي من دونها لن يكون لنا وجود بين دول وأمم هذه المعمورة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024