منحنا مسلسل «بابور اللّوح» في حلقاته الأولى بعض الرّاحة، حين وجدنا السيناريو يرسم ملامح الشّخصية الرّئيسية، ويصعّد من مرجعياتها حتى يخلص بها إلى أنّها تمثّل شخصية جامعية، ذات مستوى ثقافي متميّز، يمكّنها من التعامل مع مختلف الإشكاليات التي تطرحها العقدة الرئيسية للعمل الفنّي، وهو ما جعلنا نتقبّل أسلوب المعالجة، ونتوسّم منه أن يعبّر عن التّطلعات الاجتماعية التي لا تجد حلولها إلاّ داخل رؤية ثقافية واضحة، تماما مثلما هي مقتضياتها في الواقع المعيش.
غير أنّ بعض الأعمال الدّرامية العربية، انقلبت على الفكرة، وروّجت لطرح مضادّ يتّخذ من «التّطور التّقاني» مرجعيته الأولى، ليخلص إلى أنّ «الجامعة» لم تعد تمثّل في الواقع المعيش سوى تضييع للوقت، حيث يصرف الطالب أربع أو خمس سنوات من عمره، على جمع كثير من المعارف التي لا يستفيد منها شيئا في حياته العملية، ولهذا، يختار تخصّصه مباشرة دون حاجة إلى الجامعة، ثم يشتغل عليه ويربح وقته، حتى إذا احتاج إلى معرفة معيّنة، يمكنه أن يأخذها من الدّروس الافتراضية على أنترنيت.
والحقّ أنّ الافتراضي سهّل على الناس حياتهم، ولقد اكتشفوا أهمّيته في أثناء الجائحة، لكن القول بأن الشّكل الكلاسيكي لـ «الجامعة» تجاوزه الواقع الافتراضي، لا يمكن أن يكون سوى لغو فارغ، لأن القائل بهذا، في مسلسل «مين قال» أو مسلسل «أحلام سعيدة» وغيرهما من المسلسلات، يعتقد أنّ وظيفة «الجامعة» تتوقف عند حدود حشر المعلومات في رؤوس الطلبة، وهذه معاملة سطحية للغاية، لا نظن مطلقا بأنّ من يتبنّاها يمكن أن يكون جامعيا، ولا حتى عارفا بما يشتغل عليه؛ ذلك لأنّ «الجامعة» ليست محاضرات وامتحانات فقط، ولكنها بناء لأسلوب الاشتغال الذهني، وحصانة منهجية للشخصية، وعمل آخر عظيم لا يمكن اكتساب ثمراته (أونلاين)، حتى وإن ارتقى طالبه بسلّم..وفي هذه النقطة بالذّات، نعتقد أنّ «بابور اللّوح» القديم، أفضل من ركام الافتراضيات الجديدة التي يتبجّح بها المندهشون بـ «حضارة» لا يملكون منها سوى الأحلام السّعيدة.