بعد عودة منحنى الإصابات اليومية إلى التنازل في إعلان غير رسمي عن بداية الإنفراج والخروج من موجة رابعة، أبانت كسابقاتها عن مجتمع يغرق في جهل مركب يجعل صاحبه متعنّتا لا يقبل أيّ حقيقة مهما كانت حجج وأدلة إثباتها، وهذا حالها مع التلقيح الذي ينادي الأطباء والمختصون، منذ ما يقارب السنتين، بنجاعته ضدّ الأعراض المعقدة لفيروس كورونا وسلالاته المتحوّرة.
يبقى المواطن متمسّكا بدور المتفرج، رافضا قبول النزول من برجه العاجي، أين يتسلى بـ «لعبة الموت»، مُبديا مقاومة شرسة لأيّ محاولة لإخراجه من هناك، ورغم وصول بعض المجتمعات نسبة تلقيح تقارب 90 بالمائة، إلا أنّ مجتمعنا لم يجد في ذلك دليلا كافيا في كون اللقاح ليس مؤامرة كما نشرت مواقع التواصل الاجتماعي، بل ولم يكن سببا في تحول الإنسان إلى مسخ، بل على عكس ذلك تماما، رفعت قيود كورونا وعادت تلك الدول إلى حياتها الطبيعية في تعايش سليم مع الوباء.
الغريب في الأمر عندنا، أنّ الرافض ليس ذاك المواطن ذو المستوى المحدود، فأولئك على قلة مستواهم تجدهم يتميّزون بجهل بسيط يمكن تجاوزه بإقناع صاحبه بالحجة العلمية حتى يتوجه إلى مراكز التلقيح، لكنّ الأسوأ أصحاب الجهل المركب هم من يضعون العقدة في المنشار ويمنعون توجّه الصنف الأول من الجهل إلى التلقيح، فكيف لطبيب أو أستاذ أو أكاديمي أن يرفض التلقيح، بل ويظهر ممانعة قويّة وضعت اللقاح لدى صاحب الجهل البسيط محلّ شك، فثقته في الطبيب تجعله يحاكي ردة فعله تجاه اللقاح، ولعلّ انخفاض نسبة الملقحين وسط منتسبي الصحة والتربية والتعليم العالي أقنع المواطن البسيط بطريقة غير مباشرة بالعزوف عن التطعيم.
وبين فكي «الجهل» بسيطا كان أو مركبا، بقيت حملة التلقيح تراوح مكانها، رغم أنّ الجزائر أطلقت صناعة اللقاح، فقط حتى لا يبقى مواطنوها رهائن «طلبيات عالمية»، لكن رغم الجهود المبذولة لم يستسغ المجتمع رفض الطبيب والأستاذ للتطعيم، فكانت ردة فعله قويّة تجلّت في فشل حملات التلقيح المتتالية، ما جعلنا كمجتمع في كل موجة بين كَرٍّ وفَرّ.