بعدما اعتقد الجميع بأنّ ليبيا اقتربت من توديع أزمتها، ولم يعد يفصلها عن إعادة بناء مؤسساتها غير خطوة واحدة تتمثل في انتخابات حرّة وشفافة، عاد الوضع بهذه الدولة التي تنشد طريق الخلاص منذ أزيد من عشر سنوات، إلى المربّع الأول، حيث طفت الانقسامات والخلافات من جديد إلى السطح، وبدل التفكير في تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات، فضّل البعض سياسة الهروب إلى الأمام
وإشغال الليبيين بمسائل ثانوية يمكن تأجيلها إلى وقت لاحق، إذ قرّر البرلمان الليبي تشكيل حكومة جديدة وفتح منذ مطلع هذا الأسبوع باب الترشح لرئاستها، ما يهدّد ببروز انقسام مؤسساتي جديد يدخل البلاد في جدل هي في غنى عنه.
أولوية تشكيل الحكومة أو إجراء الاستحقاقات باتت اليوم المسألة التي تثير الكثير من الانقسام والتباين بين من يصرّ على حتمية تغيير حكومة الدبيبة، لأنّ مهمّتها اقتربت من الانتهاء، وبين من يعتقد بأفضلية التركيز على الانتخابات بدلا من السعي لتغيير الحكومة، وهو الموقف الذي دافعت عنه المستشارة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز التي قالت
«إن ما يحتاجه الشعب الليبي هو أن يكون قادرًا على الذهاب إلى صناديق الاقتراع واختيار حكومة تمثيلية بالكامل ومنتخبة ديمقراطيًا».
وأوضحت، أنه على الرغم من الصلاحيات التي يمتلكها البرلمان لإنهاء سلطة الحكومة الحالية، فإن هناك أيضًا اتفاقيات معترف بها دوليًا وقعها الليبيون أنفسهم، والتي تحدّد النصاب القانوني اللازم للبرلمان لتغيير الحكومة.
وتعتبر ويليامز أن «الانتخابات ضرورية لمنح مصداقية لمؤسسات البلاد» وتقول إنها لا ترى «أي مخرج آخر لليبيا غير عملية سياسية سلمية، بما يتماشى مع خارطة الطريق لعام 2020، التي توسطت فيها الأمم المتحدة».
لكن يبدو أن نصائح ويليامز ومقترحاتها لا تصل إلى مسامع الذين يراهنون ويصرّون على تنحية الدبيبة،
والذين باشروا تسجيل الترشيحات لرئاسة الحكومة الجديدة،وبالفعل، بدأت عدّة شخصيات تتنافس على هذا المنصب وتتسابق للحصول على تزكيات نواب البرلمان، وكلّها كانت مرشحة للانتخابات الرئاسية، يتقدّمها نائب رئيس المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا.
بالتأكيد، خطوة تغيير الحكومة قد تزيد من تعميق الأزمة الليبية لأنها لا تلقى الإجماع، فالدبيبة يريد الاستمرار في منصبه، والمجلس الأعلى للدولة يرفض تغيير السلطة التنفيذية، وكذلك تتمسّك الأمم المتحدة وواشنطن بخارطة الطريق التي وضعها ملتقى الحوار السياسي وبأولوية إجراء الانتخابات قبل نهاية شهر جوان المقبل.
ويثير هذا التشرذم، مخاوف من انقسام مؤسساتي جديد وبروز حكومتين متنافستين، واستفحال الأزمة، وعودة الوضع الى ما كان عليه قبل اتفاق وقف إطلاق النار.