تواجه الدول المستوردة للغاز حالة ارتباك، بفعل المنحى التصاعدي للأسعار المتزامنة مع فصل الشتاء شديد البرودة، ولاشكّ في أن القارة العجوز تعد أول المتأثرين وأحد أكثر المتضررين من الصعود القياسي لأسعار الطاقة بما فيها الغاز يضاف إليه النفط، خاصة بعد أن تجاوز عتبة 90 دولارا للبرميل ويتجه لتحقيق مكاسب أكبر، حيث تم ترشيح بلوغه سقف 100 دولار للبرميل قبل نهاية ذروة فصل الشتاء الحالي، في وقت كشف فيه تقرير لشركة وود ماكينزي لأبحاث واستشارات الطاقة، أن عقود استيراد الغاز الطبيعي طويلة الأمد في أوروبا، التي توفّر نحو 49 مليار متر مكعب ستنتهي في عام 2022.
منطقة الأورو وحدها تستورد ما لا يقل عن 60 بالمائة من احتياجاتها، ولم تشهد هذا المستوى العالي من الغلاء، منذ نحو 25 عاما، لذا وصفت الزيادة غير المنتظرة بالإلتهاب التاريخي الذي تضرّر منه المستهلك الأوروبي بشدة بفعل ارتفاع الفاتورة إلى أزيد من النصف، لأن الأسعار زادت بنسبة 300 بالمائة، ولا يمكن تجاهل تأثير أزمة أوكرانيا التي طفت إلى السطح فجأة، وتزايدت على إثرها مخاوف المستهلكين للغاز، بالرغم من وجود مؤشرات إيجابية وإرادة قائمة لتبني الحل الدبلوماسي وتجاوز أي تداعيات غير مرغوب فيها.
أصابع الاتهام موجهة إلى انخفاض في الامدادات وفشل في إعادة ملء المخازن قبل حلول فصل الشتاء، وكذا أعمال الصيانة التي تعكف عليها بعض شركات الإنتاج في العالم، غير أنه لا يمكن تجاهل تراجع الاستثمارات التي ستبقى مستقبلا أي على الأقل على الامدين القريب والمتوسط تضغط على العرض والأسعار، لأن هناك من يرى أن المستهلك سيتأثر كثيرا بالنظر إلى زيادة الصناعيين والمنتجين في المجال الزراعي وكذا قطاع النقل في تكاليف السلع والخدمات.
الخبراء في مراكز الاستشراف يتوقعون استمرار أزمة نقص إمدادات الغاز الطبيعي نحو أوروبا خلال الصيف المقبل وإلى غاية آفاق عام 2025، بل أنهم لم ينكرون أن الأزمة الحالية التي تخنق المستهلكين، قد تستمر خلال السنوات المقبلة، مع الضبابية التي تحوم حول الأسواق، وهاجس كورونا وإلى جانب استمرار تغيرات المناخ التي سينجم عنها فصول شديدة البرودة شتاء وحارة صيفا، لذا لا يمكن الجزم بأن تحسن درجات الحرارة قد يضع حدا لأزمة الطاقة في أوروبا، لأن الطريق مازال طويلا ومكلفا للانتقال إلى الطاقات المتجدّدة على الأقل خلال الخمس سنوات المقبلة.