لا يزال ضغط الفيروس وتأثيره واضحا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن طال جميع نواحي الحياة، وبالرغم من طرح اللقاحات منذ أزيد من سنة كاملة، فإن كل شيء في العالم يتغير بسرعة رهيبة، فنجد التوجهات الاقتصادية والخيارات التنموية والأفق التجارية اصطدمت عدة مرات بجدار تهديدات الإغلاق، فأخلطت أوراق المستشرفين وأضعفت من فعالية الخطط الإستراتجية، في وقت مازالت فيه اللقاحات المبتكرة تقاوم شراسة قوة صمود الوباء بسبب شراسة السلالات المتحورة، ولعلّ من المبكر تقييم مدى فعالية اللقاح، لأن في كل مرة تطفو طفرة جديدة، تعود معها حتمية الغلق المفاجئة الناجمة عن موجات عنيفة تضرب الاقتصاد العالمي في العمق وتصيب حركة التنقل بالشلل إلى أن كبدت شركات الطيران العالمية خسائر لم تسجلها من قبل.
المخابر مصرة على هزيمة «كوفيد 19» وبعد اللجوء إلى جرعة ثالثة لتعزيز الوقاية، تضاعف جهود الباحثين، بهدف إنتاج لقاح وحيد من جرعة واحدة، سيكون تناوله سنويا تماما مثل لقاح الأنفلونزا الموسمية للوقاية من الإصابة بالفيروس، في وقت مازال العلماء لم يختبروا بشكل دقيق وشامل النتائج النهائية لحزمة اللقحات المطروحة في سوق الأدوية العالمية، من حيث قوة النجاعة، وبالمقابل يسجل في أكثر من بلاد رفض شديد من السكان محاولة فرض إجبارية اللقاح كشرط لولوج فضاءات العمل. فهل يمكن القول إننا اقتربنا من مرحلة تحوّل اللقاح من كونه غامض يثير قلق وريبة المستهلكين إلى موسمي يسمح للبشر بالتعايش مع «كوفيد 19» مثل باقي الفيروسات؟. خاصة وأن فرنسا عازمة على التحرّر من معركة الوباء، حيث قرّرت التخلص من جميع قيود الإغلاق خلال شهر فيفري المقبل متجاهلة أي أخطار مازال يخفيها الفيروس.
وبدأت تتجلى ملامح العودة القريبة للحياة الطبيعية ومعها الحركية القصوى للاقتصاد العالمي المتعطش لتعويض خسائره خلال سنتين كاملتين من انتكاسة الغلق الإجباري القاسي، وهذا بحد ذاته مؤشر يشجع على استهلاك الطاقة، ومن ثمة رفع الطلب على النفط وبالتالي يمكن حينها المحافظة على متانة الأسعار واستقرار الأسواق.
إن معركة العالم المقبلة لن تكون صحية لأن الجميع سيطوي صفحة الوباء قريبا، وإنما المعركة هي اقتصادية ورقمية بالدرجة الأولى، فمن يملك حينها الحلول ويكون الأسرع في تجسيدها سيتمكن من التموقع في الأسواق ويتجاوز آثار الفيروس قبل غيره.