يقف البيت العربي أمام تحديات على أكثر من صعيد، بالإمكان رفعها من خلال العمل المشترك ضمن مقاربة جديدة ترتكز على قواعد صلبة ومنفتحة على التحولات، بما يضمن حقوق الدول العربية في التنمية المستدامة والولوج إلى عالم التكنولوجيات الحديثة كطرف فاعل وليس مجرد مستهلك.
لذلك، ليس غريبا أن تحرص الجزائر على أن تكون القمة العربية المقبلة محطة لتجديد النفس والانطلاق وفق مسار عملي يستوعب الانشغالات والتطلعات التي تعانقها الشعوب العربية، دون التفريط في الحقوق الشرعية وفقا للقانون الدولي بكل ما يتعلق فيه بالسيادة والحرية.
لقد عانت الأمة العربية على مر عشريات وأجيال من ويلات زادتها عوائق وتدخلات أجنبية تعقيدا. غير أن الوضع العربي المزري بقدر ما عانى من سلبيات، بقدر ما يمكن أيضا أن يتجه إلى انفراج ضمن المعايير المتعارف عليها عربيا، أبرزها التوجه مجددا إلى بناء التكامل المنشود بما يعيد للصوت العربي صداه في المنطقة وإفريقيا والعالم، خاصة بشأن قضايا كبرى تقدمها قضية فلسطين بكل تفرعاتها، من التهجير إلى الانتهاكات التي تستهدف المقدسات الإسلامية والعدوان على بلدان الطوق.
غير أن اكتساب هذه المناعة في مواجهة المحيط المتكالب على الوطن العربي مستثمرا في خلافات بلدانه وتنازع بعض أطرافه، يقتضي وضع الملفات على الطاولة وتمحيصها بموضوعية ومسؤولية تتجاوز الإطار المحلي، بحيث يمكن حينها لجامعة الدول العربية أن تقول للمخطئ أخطأت وتكبح كل تلك الممارسات غير الطبيعية، على غرار التطبيع الأعمى مع الكيان الصهيوني، بل وذهاب بعض الدول إلى بناء تحالفات غريبة ترفضها شعوبها نفسها.
إن النظر إلى المستقبل صمام أمان، كما هو التوجه بين الجزائر ومصر والدول العربية الأخرى ذات الإرث التاريخي والحضاري والرصيد القومي الذي يبقى بمثابة الزاد السياسي للأجيال في مواجهة مشاريع ترمي إلى تقطيع الأوصال وتمزيق جسد مثقل بأزمات ولكنه متشبع بقيم وآمال تتجدد مع تجدد الأجيال الوفية لماضيها والحالمة بمشروع التكامل العربي كما سطره وحلم به الأولون.
إن الرصيد المتراكم عبر عقود يبقى صالحا لإطلاق البناء العربي الجديد مجددا تعززه الإرادة المشتركة بما يعيد للأمة العربية مركزها في عالم لا يؤمن بالتردد أو التراجع عن المواقف الثابتة.
