برهن التّواصل الاجتماعي، غير مرّة، أنّه لا يمكن أن يمثّل رأيا موضوعيّا يمكن تقبّله، ولا حلّا طبيعيا يمكن تطبيقه، فالمسألة – كما هو معروف – لا تتعدّى كونها آراء ظرفية تخضع إلى إكراهات نفسية، وعواطف متقلّبة لا تستند إلى منطق واضح، ولا إلى معرفة مبينة.
ولقد تابعنا جميعا كيف انقلب البعض من الناس على المنتخب الوطني، وراحوا يحلّلون وقائع المباريات، ويكشفون عن الأخطاء المرتكبة!! (بواسطة الأخطاء الإملائية طبعا)، بل يقيّمون مستويات اللاعبين، فيرفعون هذا ويخفضون ذاك، دون بيان ولا استبيان. ولقد بالغ بعضهم في (التحليل!!)، حتّى إن الواحد منهم لم يعد يجد حاجة في الحياء من التلبّس بخبرة المدرب، ليقدّم رأيه بثقة مفرطة، معتقدا أنّه يعرف كلّ شيء عن الحيثيات والوقائع والمصائر، مع أن المغبون يكتفي بالمتابعة، عن بعد..
أمّا ما يغيظ، ويحرق الأعصاب، ويجعل الشّعر يقفُّ، فهو أن يأتي فاشل في حياته لم يقدّم لخاصة نفسه شيئا يذكر، كي يقدّم النصائح لمن برهن في الميدان، وحقق نتائج مبهرة لم تتحقّق قبله، والمصيبة أنّ تلك «النصائح» الهزيلة تنتشر، وتقدّم نفسها على أنّها ما ينبغي من منطق الأشياء..
حينما وصف أمبيرتو إيكو منصات التّواصل الاجتماعي بأنّها (أكبر تجمّعات للحمقى)، إنّما نظر بوضوح إلى تدهور رهيب قد يمسّ بأرقى منجزات الإنسانية، وها نحن اليوم نقف على كلامه، حين نرى منتخبنا الوطني الذي نعتزّ به يتعرّض لتنمّر وحشي، من قبل بعض الغوغاء الذين يعتقدون أنّهم ينطقون بالحقّ..
إنّ ما ينتظر منتخبنا الوطني مهمّ للغاية، والحال تقتضي أن نكون معه لا عليه، فهو منتخبنا الذي صنع أفراحنا على مدى سنوات، وهو منتخبنا الذي نعلّق عليه آمالنا.. ولا نامت أعين الحاسدين..