«الثقافة الجماهيرية» ليست ثقافة مكتسبة بكدّ وجهد واجتهاد، وإنما هي صناعة محض، تشرف عليها كبريات المؤسسات العالمية، وتسيّرها نحو غاياتها بأساليب مدروسة غاية في الدّقة، بقصد تمرير مشاريعها، وتحقيق مقاصدها على جميع المستويات.
وليس يخفى على أحد أن «الانتشار» على منصّات التّواصل الاجتماعي مرتبط بعاملين اثنين: أوّلهما الدّفع لصاحب المنصّة، والثاني الانسجام مع توجّهه العام، ورؤيته الخاصة، فليس يعقل أن يضع صحب المنصّة الافتراضية، جهد حياته في خدمة من لا يفيده، وهو حين يقول إن «الخدمة مجانية، وستظلّ كذلك»، إنما يُحكم الحبكة، ويتقن صناعتها، حتى يحقق غاياته غير المعلنة.
الفاعل الحقيقي إذن، ليس ذلك المدوّن البسيط (العبيط)، ولا صانع المحتوى الافتراضي المنتشر، ولا حتى صاحب الموقع المتمكّن، وإنّما هو ذلك الذي يبرمج، ويخترع، ويصنع، ويبيع ويتحكّم في سير الخوازرميات، وهو ما يعني أن «الثقافة العالمة» هي نفسها المهمين على المشهد العام، بينما لا يمثّل «الجماهيريون» أمامها، غير «أبطال وهميين» يمكن أن تقطع أخبارهم وقتما تشاء، وتلقي بهم إلى هاوية النسيان دون أن ينتبه إليهم أحد.
قلنا دائما إن «التّواصل الاجتماعي» سلاح ذو حدّين، فهو يمكن أن يكون في خدمة مستعمله، تماما مثلما يمكن أن يستخدم مستعمله، وهذا الواقع المعيش، ونحن نقف اليوم على حقيقة ناصعة الوضوح، ونرى كيف تتحكّم الشّركات العالمية في أدقّ تفاصيل الحياة بجميع الدّول التي لا حول لها وقوّة أمام هجمة التكنولوجيا، لأن فكرتها الأساسية عن هذا «العالم» مسطّحة باهتة، مغرقة في الغموض، ولا يتجاوز أرقى إنجاز لها عتبة «الوقوع في الفخّ»..
السؤال الذي يطرح الآن بإلحاح.. هل تبيّنا الإشكالية الواقعية التي نواجهها، أم نحتاج وقتا أطول كي نفهم ما يحيط بنا؟!