الطريقة المذهلة التي انتشرت بها المعلومة الكاذبة المتعلقة بارتفاع سعر الخبز، لا تترك أيّ مجال للشّك في اشتغال ميكانيزمات الفساد بـ(كفاءة) عالية. فقد كانت بضع ساعات كافية جدّا من أجل تحويل الأكذوبة إلى أمر واقع، كي تبدأ في إثارة تساؤلات المواطنين الذين تعوّدوا على سوق تستهلك أموالهم وأعصابهم بأسلوب يكاد يكون صامتا، ويحقّق مقاصده في عمق المجتمع بمنتهى الدّقة..
ولا شكّ أن المافيا المالية تستغل المعلومات المغلوطة، التي لا مصدر لها، بإتقان بالغ، إذ يكفي الكذبة أن تتوشح بلفظة “قالوا” أو “سمعنا”، حتى تتحوّل إلى واقع، في غياب كامل لمصالح الرقابة التي تكتفي، في أحسن الأحوال، بتسجيل شكوى، أو تعليق (الكذبة) على شمّاعة “حريّة السّوق”..
الحاصل الآن، هو أن استراتيجية عمل المفسدين المتلاعبين بالأسعار، لم تختلف في المرّات السابقة، فهي تتكرّر مع مختلف المواد الغذائية، وتمرّر، في كلّ مرّة، فسادها الطاغي، وهو ما يعني أن الضرورة القصوى حاليا تقتضي محاصرة الأكاذيب والإشاعات، من خلال تقنيـن التعامل مع المعلومة ومتابعة جميع المتلاعبين بها إلى غاية تجفيف مصادر الكذب، والقضاء على صنّاع الفتـن، وتخليص السوق ممّن يصرّون على الإثراء على حساب الناس المغبونين بحمى الأسعار.
ولم يعد يخفى أن أذرع الفساد تتحرك كي تنغّص حياة البسطاء دون وازع ولا رادع. ونتوسم أن يكون قانون الوقاية من الفساد رادعا لكل من تسوّل له نفسه التلاعب بمصير بلد كامل من خلال بث الأكاذيب والإشاعات.. الآن.. صار التعامل مع هؤلاء يقتضي الصّرامة، لأنهم يمثلون خطرا محدقا بكل طموحات المواطنين..