لا ننكر مطلقا أن الخطوات الإجرائية التي أعلنت عنها وزارة الثقافة من أجل التخلّص من إشكالية المقروئية، إنّما تنطلق من نيّة حسنة وتعبّر عن الحرص على تحويل القراءة إلى ضرورة اجتماعية، وهو - إن تحقّق - تكون له ثمراته الإيجابية على مجمل الحياة اليومية، مهما كانت الاختلافات بين القراء وما يقرأون..
ولسنا ننكر الجهود المبذولة على مستوى المؤسسات المختلفة، ولا النشاطات التي تحرّكها الهمم العالية، من معارض الكتاب إلى المكتبات المتنقلة، ومقاهي القراءة ونشاطات النشر، والجوائز واللقاءات الصحفية، ونشاطات أخرى كثيرة تنمّ عن وعي كبير بإشكالية المقروئية.
غير أنّنا يجب أن نقول صراحة بأن كلّ النّشاطات، ما سبق منها وما هو لاحق، لن يتمكن مطلقا من تفكيك الإشكالية ولا من تحويل القراءة إلى حاجة اجتماعية أو ضرورة معيشة، مع حرصنا على الإشادة بـ»النوايا الطيبة» لجميع الذين يعملون على تحقيق المستحيل دون هوادة، ولكن ترسيخ «القراءة» كفعل اجتماعي غير ممكن بمجرد «النوايا الصالحة»، ولا بالأنشطة الواجهاتية، أو ما يوصف عموما بأنه (نشاط ثقافي)، مهما تعدّدت هذه النشاطات، فالمشكلة أعمق من أن تنال منها الأدوات البسيطة، والسؤال ينبغي أن يكون دقيقا وصريحا دون أي حسابات صغيرة..
ما نتفق عليه، هو أن السلطات الوطنية والمحلية، بذلت مجهودات جبّارة من أجل تحويل القراءة إلى فعل اجتماعي يومي، غير أن كل الجهود لم تتمكن من هذه الغاية النبيلة، حتى وإن كانت التصريحات جميعها، تتحدث عن نجاح النشاط الفلاني، وتفوّق النشاط العلاّني، فـ «الكتاب» الأكثر انتشارا في بلادنا، ليس سوى كتاب الطّبيخ الذي لم ينجُ هو الآخر، وينتحر يوميا على أسوار مملكة «أم وليد» اليوتيوبية..
يبدو أن الإشكالية ستتفاقم أكثر، فالنوايا الحسنة وحدها لا تكفي في معالجة مشكلة تزداد تعقيدا كل يوم..