بعد اكتشاف اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، اعتقد العالم أجمع بأنّه أخيرا سيكسّر جدران الحجر والعزل التي طوّق نفسه بها ليستأنف الناس حياتهم الطبيعية ويستعيد الاقتصاد العالمي نشاطه وعافيته، لكن الذي حصل أنّ الوضع الصحي العالمي انتكس مجددا ودخل في مرحلة أسوأ، لتشهد سنة 2021، فورة متحورات مثيرة للقلق، ضاعفت من وتيرة انتشار الفيروس في المجتمعات، ورفعت حصيلة الوفيات لتتجاوز 5 ملايين ضحية.
في الواقع، لم تمض السنة التي نطوي فصولها الأخيرة بردا وسلاما على البشرية، بل على العكس تماما، حيث استمرّ الفيروس اللعين في توسيع جغرافيته وتغيير طفراته حتى أن الأجهزة الصحية حول العالم رصدت خمسة متحورات عدّتها منظمة الصحة مثيرة للقلق، ومتحورين اثنين ذوي أهمية، وسبعا تحت المراقبة، فقد ظهر متحور «ألفا»، «بيتا»، «غاما» و»دلتا» وقبل شهرين رصد «أوميكرون» في جنوب إفريقيا، وقد عدّه الخبراء، الأسرع انتقالا وتفشيا والأكبر خطرا على الصحّة العامّة في العالم، مؤكّدين أنّ التصدّي له يتطلّب تعاوناً وثيقاً، والتعاون هذا يجب أن يكون أساسه التوزيع العادل للقاحات وإيصالها إلى الدول الضعيفة، وتوفير الأدوات المنقذة للحياة، بما في ذلك التشخيص والأوكسجين ومعدات الوقاية الشخصية والأدوية.
وشدّد خبراء الصحة على أهمية توسيع التغطية اللقاحية حول العالم، وإلا انتشرت متحورات قد تكون فتاكة.
والكلام عن استمرار الوباء في الانتشار تحت أسماء جديدة ومتعدّدة، يقود للحديث عن كلفته البشرية والمادية الباهظة، فأعداد الضحايا والمصابين كبيرة جدّا وكذلك أرقام الخسائر الاقتصادية، إذ 9قدّر صندوق النقد الدولي في أحد تقاريره قبل أشهر خسائر الاقتصاد العالمي الذي أصيب بندوب غائرة جراء جائحة كورونا بنحو 15 تريليون دولار حتى نهاية 2024.
والحديث عن التدهور الاقتصادي يجرّنا للحديث عن تأثيرات الجائحة على الأوضاع الاجتماعية للشعوب، حيث ارتفعت أسعار الغذاء وتفاقمت نسب البطالة وانحدرت المستويات المعيشية وبات الجميع أمام كابوس مرعب لا يدري متى التخلّص منه.
عام ثان يمضيه العالم في مواجهة أزمة صحيّة غير عادية، والمعركة إلى حدّ الآن تبدو في صالح «كورونا»، ما يتطلّب مزيدا من العمل وتكاتف الجهود للوصول إلى درع مناعي علّه ينقذ البشرية جمعاء.