كان الليبيّون يعتقدون بأنّهم أخيرا سيخرجون من النفق المظلم لتغمرهم شمس الاستقرار الذي فارقهم لعقد كامل، لكن الخيبة كانت في الموعد، والأمل في تنظيم انتخابات تعيد بناء مؤسّسات الدولة، وتخلّص البلاد من العنف والفوضى، ضاع بين تجاذبات السياسيين وتضارب مصالحهم من جهة، وبين كثرة المتدخّلين والفشل في عملية تنظيم الاقتراع من جهة ثانية، ليتبخّر الحلم وتتأجّل الفرحة ومعها الانفراجة إلى موعد آخر قد يأتي أو لا يأتي.
لقد كان أمل الليبيين كبيرا في تنظيم أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد، حتى أنّهم كانوا يخطّطون لجعلها عرسا وطنيا يطوي أحزانهم وآلامهم، وقد استعدّوا لهذا الحدث من خلال الإقبال الكبير على تسجيل أنفسهم في قوائم الاقتراع، وأخذوا يترقّبون موعد الحسم، معتقدين بأنّهم سيستقبلون العام الجديد برئيس جديد يختارونه بأنفسهم، لكن بدل الفرحة، حلّت الصّدمة الكبرى بإعلان تأجيل الانتخابات لشهر آخر.
في الواقع، لقد تجلّى مبكّرا صعوبة تنظيم الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر كما كان مقرّرا، بالنظر إلى الثغرات القانونية التي كانت تفرض نفسها دون أن تحاول أيّة جهة سدّها، فلم يحّدد الإطار القانوني للاقتراع بعد أن عجز الإخوة الفرقاء عن وضع القاعدة الدستورية، واستغلّ البرلمان غياب التوافق ليسنّ قانونا انتخابيا مثيرا للجدل في سبتمبر من دون تصويت مفصّل على مقاس أحد المرشحين، الذين كان معظم الليبيين يرفضون مشاركته في السباق الرئاسي بالنظر إلى أنه كان جزءا من الأزمة والحرب التي كلّفت البلاد خسائر مادية وبشرية جسيمة.
لقد أدّى قانون الانتخابات المتنازع عليه، وما ارتبط به من شخصيات مثيرة للجدل أعلنت ترشّحها لقيادة ليبيا، إلى توتر على الأرض، وبدأ سيناريو التأجيل يلوح في الأفق منذ مدّة، ولزيادة الارتباك، استقال مبعوث الأمم المتحدة، يان كوبيش، الذي كان يعمل من جنيف وبدا بشكل واضح أنه كان موقنا باستحالة إجراء الانتخابات وأراد عدم تحمل مسؤولية ذلك.
وعُيّنت الأمريكية، ستيفاني وليامز، التي عملت في 2020 مبعوثة، مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، حيث قامت خلال الأيام الأخيرة بترتيب اجتماعات بين مختلف الأطراف الليبية وتنقلت بين مدن عدة، في محاولة واضحة لإنقاذ العملية السياسية المعقدة بفعل التدخلات والاستقطاب، لكن أكثر ما استطاعت وليامز تحقيقه، هو الوعد بإجراء الاستحقاق لاحقا.
لكن من يضمن أن يجري الاستحقاق لاحقا، بلا شك، الضامن هو تجاوز الأخطاء التي عرقلت انتخابات 24 ديسمبر، وبدون ذلك سيتبع التأجيل الآخر، وقد تعود ليبيا - لا قدّر الله - إلى مربّع الحرب، ومن هذا المنطلق يجب الإسراع بتجاوز الثغرات القانونية التي تمّ القفز عليها دون معالجتها في الفترة الماضية، وقد يكون ضروريا إعادة النظر في شروط الترشح حتى يتمّ إقصاء الشخصيات المثيرة للجدل، وإلى ذلك الحين يبقى على الليبيين التمسّك بالعملية السلمية وبالمسار الانتخابي كونهما مفتاح الانفراج.