لعل يكون عجبا عجيبا إذا تحدثنا عن كتاب صدر مع مطلع القرن الجديد عن جامعة برينستون المرموقة، تشكو فيه الباحثة الوضع اللغوي بالولايات المتحدة الأمريكية، وتصفه بأنّه «رديء» و»متخلّف» (ولعلها قالت معتوه) لا يسهم في تطور الدّولة، لأنه يكتفي بلغة واحدة، ولا يجد سبيلا إلى التعامل مع بقية البشر، في زمن الانفتاح والتّخلص من كل القيود..
وقالت الباحثة إميلي آبتر، إن واقعة الحادي عشر من ديسمبر 2001، كشفت عن التّخلف الذي تعاني منه الولايات المتحدة مع الأحادية اللّغوية التي تعيشها، ودعت إلى ضرورة تجاوز هذا الخلل الذي أوقع السياسة الأمريكية في ارتباك رهيب، ثم وسّعت في منهجها، ولم تدع فنانا ولا روائيا في اللغات التي لا تنشغل بها الولايات المتحدة، إلا واستحضرته، كي توضّح الحاجة إلى اللّغات..
طبعا، آبتر باحثة مميّزة، لهذا، لا يمكن مطلقا التفكير بأنّها تتّهم هذا، أو تدّعي على ذاك، بله عن اللّغات التي صار الجميع يعلمون بأنها مؤسسات تواصل، وليست مضامير سباق، ولعلّ هذا ما جعلنا نصف الكتاب بالعجب العجاب. فالمغبونون في بقية العالم، ما يزال فيهم من يعتقد بأن التقدّم احتكار حصري للغة وحيدة، أو أن التّطور لا يمكن أن يتحقّق إلا بلسان معين، فإذا أصحاب لسان التطور أنفسهم، يعتقدون أن لسانهم الواحد سبب مباشر لنكستهم..
لغة الشعب، وفية لمعارف الشعب.. هكذا تحدّث الحكيم، فإذا وجدت من يتجنّى على اللغات، أو يتهمها، فهذا يعني أنّه (متحدّث نص اطياب)، وأن لغته وفيّة تماما لمعارفه البسيطة؛ ولهذا بالضبط، منحته القدرة على»التفكير» بما يوافق مستواه البسيط، وهذا ما تشرحه آبتر، بمنتهى الروعة، فالحاجة ماسّة لـ»المعرفة».