الاستسقاء سنّة نبوية مباركة، يعبر فيها عباد الله عن توبتهم وخضوعهم وخشوعهم لإرادة الخالق سبحانه، ويؤديها المسلمون أملا في أن يرفع الله عنهم غبن الجفاف، طالبين رحمته، طامعين في واسع كرمه، كي يفيض عليهم من نعم الغيث، وهذا يعرفه المسلمون جميعا، تماما مثلما يثقون بأن الله جلّ وعلا لا يخذل الصّالحين من عباده..
وجاءنا العصر الرّقمي بما يوصف بأنّه “انفتاح غير مسبوق”، فبدأت نوازع فردانية تتشكّل بعيدا عن سياقها التاريخي، وظهرت بوادر تغيّرات اجتماعية عجائبية ضمن تفاوت صارخ بين عالم ينتج التكنولوجيا، وعالم يستهلكها، فطلع علينا قوم (يعتقدون) أن النّداء إلى طلب الاستسقاء إنما يتمّ بتنسيق مسبق مع مصالح الأرصاد الجويّة، ولقد تردّد هذا الادّعاء إلى درجة أنّ بعضهم صاروا يتّخذون الناس هزؤا، ولا يرون في الصلاة سوى (تكتيك) سياسي.. بل إن هؤلاء صاروا يتصيّدون أيّ شيء ليقابلوه بما (يتفرعنون) به من علوم (كأنها علومهم التي اخترعوها)، فلم يتركوا هلال رمضان، ولا تجاوزوا عن رأس السنة الهجرية، ولا صمتوا عن شاهد ولا غائب، وصار يكفيهم أن يستمعوا كلمة، حتى يحوّلوها إلى خطاب، ثم تتحوّل إلى قضية رأي عام، ويصير مناطها الحريّات والتقدّم والتطوّر وما شابه ذلك من الحق الذي يراد به الباطل..
ولا يعرف (المتقدّمون جدّا)، أن الأرصاد الجوية إنما تقدم احتمالات لا حقائق، فـ«الحقيقة” بالنسبة لهم هي ما يقولون به وحدهم، لهذا يتغنّون بالحريّات ويبذلون كل ما في وسعهم كي يقمعوا حرّية الآخر في التّقرب من ربّه، رغم أنّه لا يعيرهم اهتماما، ولا يرغب في التّقدم على طريقتهم (النصف اطياب)..
الاستسقاء سنّة نبوية مباركة، أمّا الانسلاخ من جسد الأمة، فهو مرض نفسي.. فاللّهم أغثنا..