عندما نشاهد الشباب يركبون مخاطر البحار بحثا عن فرصة عيش «جيدة» في بلد ثان، فإنّنا لا نرى من المشهد غير قمة الجبل ومعه أعداد المحظوظين الذين يصلون إلى وجهتهم، وأعداد الذين يصبحون غذاء للأسماك، أما دوافع هذا الانتحار الجماعي، حتى لا نقول الهجرة السرية فقلّما أحد يلتفت إليها.
كثيرون ينعتون المهاجرين غير الشرعيّين الذين يمتطون قواربا مهترئة كما لو أنهم يمتطون توابيتهم، بالمجانين أو المغيبة عقولهم، لكن بالنظر الى عمق الظاهرة، فإنّنا بالتأكيد سنصل إلى الحقيقة التي تقول بأن الفرار بكل ما يحمله من مخاطر، هو بالنسبة لهؤلاء التعساء، الخيار الوحيد لاستعادة إنسانيتهم التي انتزعتها يد الإنسان، فالدول التي يفر منها أبناؤها هي دول إما ضعيفة وإمكانياتها معدمة، أو جاحدة وفاسدة تحكمها أنظمة لا يتجاوز قطر اهتمامها محيطها المقرب. للأسف الشديد، دول كثيرة من هذا النوع، حكام «يتقاتلون» من أجل الوصول إلى السلطة، وفي الغالب لا يصلون إلى كرسي الرئاسة إلاّ على ظهر دبابة، أو عبر انقلاب يدبّر في الليالي الحالكات، ولما يبلغون مقصدهم يديرون ظهورهم للشعب، فلا تقوم قائمة للاستقرار ولا للأمن، أما التنمية فتتحوّل إلى أضغاث أحلام، وهذا الواقع المر، هو ما يغرس اليأس في نفوس الشباب ويدفعهم للفرار في اتّجاه الضفة الأخرى التي كثيرا ما تجهض أحلامهم بلا إنسانيتها وبجور معاملتها.
كثيرة هي دوافع الهجرة السرية التي تتفاقم يوما بعد يوم، لكن أهمها في تصوّري هو عدم الاستقرار السياسي الذي ينعكس سلبا على الوضع الأمني والتنموي والاجتماعي.
المطلوب اليوم هو حماية أرواح وإنسانية الهاربين من بلدانهم عبر إقرار الاستقرار السياسي والأمني والالتفات إلى التنمية ودون ذلك سيبقى المتوسط، والمانش وغيرها من البحار مقبرة للفارين من الموت وإلى الموت.
كما أن على الدول الكبرى التي تسدّ منافذها أمام اللاجئين في مشاهد لا إنسانية مريعة، أن ترفع أيديها عن تدمير الدول باسم الديمقراطية، وتتوقف عن نهب خيرات الشعوب المستضعفة، وتحفظ استقرارها، وغير ذلك فإن الهجرة السرية ستتفاقم والمأساة ستتواصل.