المؤثِّر، باتفاق المشتغلين بالمصطلحات، هو من يمتلك نفوذا وسلطانا على أفكار الآخر، أي أنّه صاحب كلمة مسموعة، لها تأثيرها على الواقع الذي تنطق فيه. والتّأثير، باتفاق المفكّرين، فعل يتمّ بطريقة متدرّجة، متّصلة، لا تكاد تلمس. وعندما يتواتر هذا الفعل في قضايا متعدّدة، نعتبر صاحب الفعل مؤثرا، وصاحب رأي، ويتحوّل إلى أيقونة، وقد نبني له مقاما ونشعل الشّموع..
ولا شكّ أنّنا جميعا سمعنا كلاما عن «المؤثّرين» ببلادنا، وهؤلاء فئة تشتغل على مواقع التّواصل الاجتماعي، ولديهم من المتابعين الملايين، وقد تبلغ (الجادوغات) على منشوراتهم مئات الآلاف، بل الملايين، غير أن المادة المقدّمة في عمومها، مقارنة مع ما نعرف عن التواصل الاجتماعي، لا ترقى لتبلغ مستوى التأثير.
فإذا حسبناها بمنطق (التدرّج والاتصال والسلاسة)، نكتشف أن المادة الوحيدة التي أثّرت تأثيرا واقعيا، وأحدثت تغييرات معتبرة، هي مادة «أم وليد» التي أقحمت طرائق في الطبخ مستحدثة، وجدت كثيرين ممّن تلقّفوها وعملوا بها.
أمّا الباقي، ممّا توصّلنا به، فهو لا يتجاوز اللّغو في معظمه، ولا يبدو أنّه يقدّم رأيا حصيفا، ولا توجيها مقبولا، ولا حتى منظرا يستحق الشّفقة، والأمر كلّه على بعضه، لا يتجاوز اللغة السّوقية، والبذاءة والموبقات وبعض النّكت السّاذجة، أو ما يسمى في لغتنا الجزائرية الأصيلة (التّمرعين)، ولسنا نرى في هذا كلّه تأثيرا يمكن إحداثه، ولا تغييرا يرجى استقراره..
فإن قيل إن هؤلاء يتابعهم الملايين، فإنّنا نتوجّس خوفا من انعدام مفهوم «التّواصل الاجتماعي» نفسه؛ إذ ليس هناك من يجهل بأن مسألة «المتابعة» متعلّقة، حصرا، بثمن «الفاتورة» التي تليّن الخوارزميات، ولا علاقة لها بحصافة الرأي وجمال العينين. وحتى إذا افترضنا جدلا، أنّ مادة ضعيفة مهترئة، تحظى بمتابعة الملايين، فليس هناك ما يدلّ على أنّها «تؤثر»، بل هي ممّا يدخل في قول الشاعر:
وأراك تضحك لاهيا
وعليك يضحك من معك..