لعلّنا نتفق إذا قلنا إن أهمّ ما ميّز المحليّات هو استقرار الخطاب العقلاني البعيد عن التّهجمات والاتهامات التي كانت تعتبر من ثوابت الحملات الانتخابية، ولقد تجلّت روح التّسامح في أثناء عمل اللّجان، من خلال التهاني التي تبادلها المتنافسون، والروح العالية التي تحلّى بها معظم الذين لم يحظوا بالتزكية، فخصّصوا المساحات (الواقعية والافتراضية) للتهاني وأمنيات التّوفيق، بعد أن كانت حكرا على المبررات والمسوّغات المبتكرة للنجاح والفشل ومعا..
هذا تغيير عميق في التّعامل مع الاستحقاق الانتخابي، والسّلوك العام، وواضح أنّه لم يتحقّق من عدم، ولا فرض نفسه بمرسوم أو قانون، وإنما هي الخبرة العميقة التي أقرّته وفرضته، وهذه خبرة تراكمت بها مفاهيم احترام الرأي، وحرية الآخر، ومبادئ أخرى هي من روح الديمقراطية نرى أنّها عبّرت عن استقرارها، وألقت بتجلياتها في أثناء عرس الجزائر الانتخابي..
وليس محاباة ولا تزكية، إذا قلنا إن الخطاب العام الذي تبنّاه الرئيس تبّون، كان له دوره المحوري في توطيد روح التّسامح التي شهدناها بالمحليّات، فهو أوّل رئيس يخاطب الناس بلغة شفافة واضحة بعيدة عن الأساليب السّياسويّة، ليمنح الجزائريين جميعا نفس العناية والاهتمام، ويشاركهم أدقّ انشغالاتهم دون بروتوكول، سواء على مستوى وسائل الإعلام، أو وسائل التّواصل الاجتماعي، وهذا ما ألقى بالطمأنينة إلى القلوب، فأيقن الجميع، فاعلون في الحقل السياسي ومواطنون، أنّ المسألة متعلّقة بالكفاءة والجهد المبذول في خدمة الوطن.
والآن.. اكتمل بناء المؤسسات، وجاء الغيث من السّماء مباركا، ولم يبق إلا جهد المخلصين كي يقوموا على واجباتهم ويؤدوا أماناتهم، مهما اختلفت درجات مسؤولياتهم، فالمستقبل الزاهر لا تصنعه الأماني، وإنّما تبنيه سواعد المخلصين.