أعجوبة غاية في العجب صارت متداولة في الفضاء الأزرق، وتقدم نفسها على أنّها طبيعية جدّا وعادية جدّا، أو أنها ما ينبغي أن يكون.
وأعجب منها، أن الفسابكة – من أقطار عربية كثيرة - يرحبون بها ويتفاعلون معها ويعلّقون بالأدعية الصالحة لصاحبها، باعتباره واحدا من الذين يبذلون من وقتهم وجهدهم كي يكونوا في عون الناس ويسهّلون لهم حياتهم.
أما الأعجوبة، فهي إعلانات تعرض خدمات تتعلق بإعداد مذكرات الليسانس والماستر في كل التّخصصات، وتروّج لنفسها بـ “رقيّ المادة”، وسلامة “المنهج”، وسموّ الشّكل والمضمون، وبين حين وآخر قد تعرض “التصفيف المجاني”، أو تضع شعارات ترويجية من قبيل... “عملنا لا تعييه اللّجان”، أو “قل حرفا من المقدمة... نعطيك الخاتمة”.
هي أعجوبة فعلا، فليس معقولا أن تصبح مذكرة التخرج سلعة، غير أن موافقة الفسابكة إياهم عليها، وعنايتهم بها، ومباركتهم لها، تتجاوز العجب والصوم في رجب، إلى نوع من الذهول يفرض نفسه أمام هول المنظر... كيف يشتغل هذا العقل الذي يمتلك القدرة على استخراج القيم النبيلة من الغشّ؟! وكيف يصدّق الزّبون أنّه تخرج فعلا، وحصل على شهادة؟! يبدو أن النقص ليس في العقل وحده، وإنّما يمتد إلى الكرامة أيضا.
علّمونا أن العقل هو الأعدل قسمة بين البشر، كما قالها ديكارت، ولكن يبدو أن اللاعقل هو الآخر مقسم بشكل عادل؛ ذلك أن مخترع فكرة بيع المذكرات، لا يختلف عن مستهلكها، وكلاهما يفتقدان إلى الكرامة الإنسانية.
ولا تتوقف الأعاجيب... دكاكين تبيع شهادات تكريمية، وأخرى متخصصة في التأشيرات، وأمثالها تبيع ألقاب “سفير السّعادة” و«أديب الأمة” و«الشجاع الهصور”، وكلها على بعضها تصنع عالما من الأوهام يمتد بتأثيراته إلى واقع النّاس ويقلب طبيعة الوجود.