وجد الشعب الألماني نفسه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في وضع يجعله يعود إلى الحياة من دون سلطان المال، لتعود ألمانيا أكثر قوة من خلال إعادة بناء كل المدن التي دمرتها الحرب، وشيدت صناعة ضخمة أصبحت خلال سنوات قليلة من الأكبر في العالم.
ألمانيا حينها لم تمتلك أي رصيد من الذهب أو الثروات الطبيعية لكي توظفها في تنميتها، فقط الإمكان الاجتماعي وحده ما كانت تملكه ألمانيا للنهوض من جديد من وسط الخراب.
هذا المدخل قد يعطي تصورا بسيطا عن أنموذج التنمية المتبع في الجزائر خلال العشرين سنة الماضية، دون الخوض في تفاصيله، فبالرغم من أن رأس المال الكثيف والثروات الطبيعية والمقومات المكانية المتوفرة، إلا أن التنمية لم تصل الى المستويات المطلوبة.
أسباب الفشل في تحقيق الأهداف متعددة، لكن الإشكال لا يكمن فقط في تحديد نقاط القصور، بل في كيفية تحويل هذه التجارب إلى خبرة في صورة وعي اقتصادي ينمو حتى مع التجارب الفاشلة، ويعطي للمجتمع رصيدا نفسيا تنطلق منه تجارب أخرى يتأكد فيها النجاح أكثر فأكثر.
الصين مثلا، طبقت منذ الوهلة الأولى لنهضتها قاعدة الاتكال على الذات، أي بالتعبير الاقتصادي «مبدأ الاستثمار الاجتماعي»، كما طبقت من ناحية أخرى مبدأ الاستفادة من كل التجارب الفاشلة التي عرفتها، وهذا ما أصبح يعرف تاريخيا بالثورة الثقافية الصينية والتي تزامنت مع نهضتها الاقتصادية وهذا ليس محض صدفة.
كثيرا ما تركز تقارير التنمية في البلاد النامية، ومن بينها الجزائر، على المعطيات المالية وتربط النمو بكثافة رأس المال فقط، في صورة احتياطي صرف، صادرات، واردات، أسعار نفط، لكنها تتجاهل الإنسان كقيمة اقتصادية أولى بوصفه وسيلة تتحقق به كل الخطط التنموية.