قد يكون مهمّا التوقف عند التصريحات المتواترة لوزير خارجية فرنسا جون إيف لودريان، حيال الجزائر. والتي يحرص فيها على تأكيد أهمية العلاقات بين البلدين في إطار الاحترام الكامل للسيادة.
لودريان، الرجل القوي والذي يوصف من قبل أوساط فرنسية نافذة بأنه العلبة السوداء للنظام الفرنسي، امتنع، منذ مارس 2020، عن التطرق إلى “الانتقال الديمقراطي” و«مرافقة الجزائر” وغيرها من العبارات التي تأكد بنفسه خلال آخر زيارة له، أنها مرفوضة. وبات ربما، المسؤول الفرنسي الوحيد الذي يتكلم بشكل “سوي” عن الجزائر.
وعاد في حواره مع صحيفة “لوموند”، نشر أمس، إلى الحديث عن رغبة بلاده في إقامة علاقة ثقة وشراكة طموحة مع الجزائر تتجاوز الجروح المتعلقة بالذاكرة والتي “قد تعود للظهور أحيانا”.
لكن التمعّن فيما يقوله وزير دفاع فرنسا السابق (في حقبة فرنسوا هولاند)، يدفع إلى التساؤل عما إذا كان بصدد تجسيد الجانب الآخر للخطاب الرسمي الفرنسي المزدوج تجاه الجزائر، أو أنه يجسّد فعلا الكتلة المعارضة لنهج رئيسه ماكرون في إدارة ملف العلاقات بين البلدين.
وسبق وتحدثت وسائل إعلام، عن انقسام حاد داخل الحكومة الفرنسية، في التعامل مع الأزمة الحادة التي تسببت فيها التصريحات غير المسؤولة لماكرون تجاه الأمة الجزائرية. انقسام جسّده حمَلةُ الأفكار اليمينية واليمينة المتطرفة التي تدافع عن “الحقد” كإرث تاريخي في تناول الذاكرة، ودعاة التقية الدبلوماسية، وحملة ممحاة التاريخ.
وقد يكون لودريان، من حملة الممحاة الذين يرون في القوة الناعمة أنجع وسيلة لوضع التاريخ الاستعماري المشين جانبا، ولِمَ لا التهوين منه وتبييضه، ولو استغرق الأمر سنوات طويلة؟.
وحدث وأن نفذت مشاريع في هذا الاتجاه، فضحها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في رسالته بمناسبة ذكرى الثامن ماي 2020.
وفي مجمل الأحوال، لا يمكن لجراح الذاكرة أن “تعود للظهور أحيانا”، مثلما صرح لودريان، فهي تظهر دائما وموجودة، وصارت برنامجا كاملا، يسرع الرئيس ماكرون في تنفيذه مع اقتراب رئاسيات 2022، من خلال استرضاء التيار اليميني المتطرف وتشريف الحركى. وستستمر الأزمة وعلى الطرف المتسبب أن يتحمل المسؤولية.