تبرز مقاربة مميزة في الجزائر الجديدة تندرج ضمن الإصلاحات المنشودة، تتمثل أساسا في الخروج من دائرة الرعاية الاجتماعية التي فرضت نفسها غداة خروج الجزائريين من حقبة احتلال بغيض، خلف الفقر والبؤس بشكل غالب، ما دفع الجزائر المستقلة آنذاك لتعميم الرعاية الاجتماعية للجميع وفق قاعدة مساندة الدولة الفتية للشعب الذي حطمته سنون الجمر والاستعمار وما جرى فيها من تجهيل وتشريد وتفقير، والتوجه رأسا إلى سياسة واقعية في جزائر جديدة تتمثل في العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية.
قال ذات يوم «لي كوان يو» في كتابه الموسوم بـ «سنغافورة من العالم الثالث إلى العالم الأول»، في الفصل السابع «مجتمع العدالة الاجتماعية، لا مجتمع الرعاية الاجتماعية»، لقد «آمنّا بالاشتراكية منهجا، وبحق الجميع في نصيب عادل من الثروة، لكن أدركنا فيما بعد أن الباعث الذاتي والمكافأة الفردية ضرورة حيوية للاقتصاد الإنتاجي».
لقد تضمن مشروع قانون المالية رؤية لإصلاح ما ينبغي إصلاحه، من دعم أصبح عبئا على الميزانية ولا يصل بالضرورة لمستحقيه وفق الأرقام الدالة والبيانات الواضحة. إن دعم الصحة والتعليم والإسكان والتموين الغذائي للفئات الهشة، ضرورة حيوية في اقتصاد تكافلي، لكن أن يتحول الدعم لأنبوب ضخم من التمويل يستهلك 17 مليار دولار سنويا (والأحرى أن يتحول أغلبه للاستثمار وإنتاج الثروة)، يدعم الأغنياء والفقراء على حد سواء، هو إخلال بشروط العدالة الاجتماعية، التي ينبغي أن تفرض التنافسية والإنتاجية كمعيار للمكافأة.
إن استراتيجية دعم الأجور ومكافأة الأداء وتعزيز الأبعاد التنافسية بتشجيع الاستثمار والسعي من أجل رفع الإنتاج، هي القواعد الصلبة لتطوير الاقتصاد وتعزيز تنافسيته في عالم متغير، ما يدعو لرقمنه كل قطاعات المالية من ضرائب وجمارك، ودفع وتمويل، لمواكبة مجريات الحداثة والعصرنة والاندماج، من خلال الإصلاح والانفتاح على العالم المعاصر بكل إيجابياته وسلبياته.
إن بناء اقتصاد منتج يحتم الخروج من دوائر الرعاية الاجتماعية الكلية لكل الطبقات المجتمعية والسعي بشكل دؤوب لبناء عدالة اجتماعية حقيقية تقوم على الجهد والعدل.