لمّا يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية والحرص على درء كل خطر محتمل، مهما كان مصدره، تكون ساعة القرار الحاسم، وهو ما ينطبق على تصدير الغاز الطبيعي إلى شركاء في الضفة الأخرى، بفرض الإرادة الوطنية باختيار الطريقة المُثلى لتأمين المصلحة الوطنية، مسألة محسومة، كيف لا وذكرى ثورة نوفمبر تطل على بلادنا مجددا حاملة تلك الروح الصلبة، رمز التحدي، أمر يدركه جيدا القاصي والداني.
السّيادة، خط أحمر، لا يقبل الجدل، كما أكده الرئيس تبون مرارا، في رسالة للأجيال تنقل إليها ما أنجزه السلف عبر التاريخ، للتحصّن في مواجهة عولمة شرسة لا تعطي مجالا للبلدان الناشئة التي لا تحسم خياراتها وتسقط في متاهة التردد، والسبيل الوحيد لنا لدرء مخاطرها التسلح بقيم الوطنية، مصدرها الذاكرة، عنوان الانتماء وإرادة البقاء. حقيقة كلما اشتدت أزمة طارئة أو لاحت تهديدات من حولنا، كان الرجوع إلى سجل التاريخ، المليء بالبطولات والأمجاد، عنوانها البارز ثورة أول نوفمبر، التي أنهت بالتضحيات والمعاناة وَهم الاحتلال الفرنسي لأكثر من قرن وكسّرت جبروت جيوشه وأدواته الجهنمية الإجرامية، هزيمة نكراء لا تزال تحز في نفوس بقايا الفكر الكولونيالي، وتراهم يحيكون مؤامرات هنا ويغذون إشاعات هناك، بالارتكاز على عملاء انغمسوا في خيانة التاريخ والتنكر له.
قبل مدة قصيرة، تعرضت بلادنا إلى هجمة شيطانية انغمس فيها أكثر من طرف، منهم من خان حسن الجوار ومنهم من باع العرض والشرف لابسا عار الخيانة، غير أن الشعب الجزائري وقف في خندق الوطن غير مبال بتهديدات هؤلاء أو مؤامرات أولئك، واضعًا الجميع في مرمى سدادة الوطنية، لا تخطئ الهدف حتى في أحلك الظروف. القرار الحر جوهر السيادة الوطنية، منها ترسم خطوط بوصلة المستقبل، فالجزائر الضاربة في أعماق التاريخ لا تهتز أمام مصابين بمرض الوهم، في حلقهم لا تزال غصة هزائم متتالية على يد أبطال المقاومات الشعبية، ممّن حملوا بصدور عارية لواء الدفاع عن الأرض والعرض والهوية، مهمة في صلب قناعة الخلف المتشبع بقيم الوفاء يحيطون الوطن، بما يستحق من وفاء ودفاع عنه باستماتة لا تلين.