بعد شهر من الشد والجذب بين مكوّني السلطة الانتقالية السودانية «المدني والعسكري»، وبعد أن اهتزت الشوارع لأيام طويلة بمتظاهرين من هذا المكون وذاك، يشهد الوضع في السودان مزيدا من التصعيد والتأزم، خاصة بعد إعلان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي يرأس المرحلة الانتقالية في السودان، أمس، حلّ مجلس السيادة والحكومة برئاسة عبد الله حمدوك، الذي اعتُقل فجرا مع عدد من الوزراء والسياسيين في خطوة وصفها مؤيّدو حمدوك بالانقلاب العسكري، ونعتها مناصرو عبد الفتاح البرهان، بحتمية إبعاد من يعرقلون التحول الديمقراطي لإنجاح عملية الانتقال، ومع هذا الانزلاق السياسي والأمني الخطير، تتزايد المخاوف من تراجع السودان إلى المربع الأول، ونسف ما تمّ تحقيقه منذ الإطاحة بالفريق عمر حسن البشير قبل عامين، بل ويخشى كثيرون في ظل الانقسام الحاصل وحدة الاستقطاب التي تهز الشوارع المشبعة والمكدّسة بأسباب الانفجار، من أن يلتهب الوضع ويتحوّل - لا قدر الله - إلى مواجهات واصطدامات، فالاحتقان الشعبي بلغ مداه بفعل ما يعيشه السودانيون من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، وعدم استقرار سياسي يترجم ظاهريا، صراعا محموما على السلطة، وفي الخفاء هناك بالتأكيد من يعمل على خلط الأوراق، وتأجيج الوضع والنفخ في جمرة الخلافات لإغراق البلاد في الفوضى والاضطرابات.
لقد اعتقد السودانيون في 2019 لما تمكّنوا من إسقاط نظام الفريق عمر حسن البشير، الذي استحوذ على السلطة عام 1989 عبر انقلاب عسكري، واحتكرها لثلاثة عقود كاملة، بأنهم استعادوا حريتهم وانتزعوا قرارهم السياسي، وارتفعت الآمال بإمكانية إصلاح ما أفسده دهر العسكريين، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع خاصة بعد أن تمّ تشكيل سلطة انتقالية تتكون من عسكريين ومدنيين، والاتفاق على إعلان دستوري حدّد مدّة تداول كل مكوّن على الحكم، كما رسم ملامح المراحل القادمة إلى غاية إجراء الانتخابات وإقامة الدولة المنشودة بقيادتها التي يختارها ، ولا تفرض نفسها بقوة السلاح كما دأب عليه الوضع.
الوضع في السودان الذي استيقظ، أمس، على كابوس حقيقي مفتوح على كلّ الاحتمالات، لكن ما نتمناه هو أن يتجنّب السودانيّون الانزلاق إلى الفوضى والعنف، والعمل بدل ذلك على فتح باب الحوار، حتى وإن كان بمساعدة طرف ثالث كالاتحاد الإفريقي، فالأزمات بكل أشكالها ودرجاتها تحل بالتفاهم، وحتى بتنازلات يقدّمها هذا الطرف والآخر، فيكفي هذه الدولة ما تعيشه من مصاعب اقتصادية وهي تملك كل المقومات التي تجعلها قادرة على جعل شعبها يعيش حياة اكتفاء واستقرار.
تصعيـــد خطـــير
فضيلة دفوس
25
أكتوير
2021
شوهد:266 مرة