منذ إعلان السلطات الانتقالية في مالي عن إمكانية فتح باب الحوار مع بعض الجماعات المسلحة لفتح صفحة جديدة تواكب التغيير الحاصل في أركان النظام السياسي الجديد، تواجه فرنسا هذه المبادرة برفض تام دون تقديم مبررات مقنعة للرأي العام المحلي والدولي سوى قولها أن ذلك تهديد لاستقرار المنطقة، إلا أن المنطقة غير مستقرة أصلا.
وتقول باريس عبر وسائل إعلام موالية لفكرها الاستعماري أن المبادرة تضر بمصالح الشعب المالي، وتؤثر على العلاقات بين البلدين الصديقين على حد تعبير ماكرون، رغم أن العلاقات بين باماكو وباريس دخلت مرحلة توتّر غير مسبوقة منذ أيام قد تطولها فصولها وتتجه نحو التصعيد.
لكن السؤال الرئيسي هو لماذا ترفض فرنسا إستراتيجية السلطات المالية الانتقالية بمحاورة بعض الجماعات المسلحة غير المرتبطة بالجماعات الدموية كـ»داعش» و»القاعدة «، مادام هدفها الأساسي هو مواجهة ركود الصراع في مالي والنتائج غير المحسومة للتدخلات العسكرية؟ ولماذا تقف ضد هذه المحاولة التي قد تكون مجدية لتحجيم فتيل التوتر والعنف في مالي ومنطقة الساحل الإفريقي باعتبار أن الحوار هو جوهر العمل الدبلوماسي لاسيما، وأن فرنسا وحلفائها فشلوا في المقاربة العسكرية؟
لابد أن ساسة الإيليزي يعرفون الإجابات بشكل دقيق، كما يعرفها كل متابع للشأن المالي والإفريقي، لاسيما منذ أن كشف الوزير الأول المالي ضلوع باريس في تكوين المسلحين شمال مالي ودعمهم بطرق شتى لإثارة العنف بين سكان الشمال والجنوب من ذوي العرقيات المختلفة وهو ما دأبت عليه منذ استقلال مالي لضمان بقائها في مستعمرتها السابقة ونهب ثرواتها الطبيعية بعد إخضاعها لعملائها طيلة عقود.
كما لجأت فرنسا إلى استغلال التحديات الصعبة التي تواجهها دولة مالي والدول المجاورة لها من مستعمراتها السابقة ،لنشر العنف وترسيخ وضع الدولة الهشة ، واتخذت من انتشار الإرهاب فزاعة للاستقواء بالقوة العسكرية لردع كل من يعارض سياستها.ونتج عن سياساتها تصاعد مخيف للظاهرة الإرهابية كاد يؤدي إلى انهيار كيان الدولة المالية.
هذا السيناريو الخطير واجهته الجزائر عبر سياسة سلم ومصالحة رأبت الصدع بين الفرقاء الماليين بعد مسيرة مفاوضات شاقة توجت باتفاق سلام تاريخي، باركته الأمم المتحدة، لأنه جعل من الاختلاف بداية للحوار والسلام، ولاشك أن سلطات مالي تحذو حذو هذا الاتجاه الذي سينجح من دون شك في إنهاء بقايا الاستعمار القديم.