لا يكتمل البناء الديمقراطي القائم على مؤسسات دستورية منتخبة ومطابقة لمعايير النجاعة بدون قضاء احترافي لديه الكفاءة للحسم في ملفات معقدة، جانب منها يرتبط بقضايا تمس الأمن الاقتصادي في زمن عولمة مفتوحة على شراكات واسعة النطاق، تلعب فيها قوى ذات نفوذ تتحكم في إبرام الصفقات وتحرير العقود، أمر يحتاج إلى حنكة ويقظة حماية للحقوق الوطنية.
غير أن رفع هذا التحدي بالمفهوم الشامل لقضاء يحمي ظهر الاقتصاد من صون لأملاك معرضة للنهب وصفقات تستنزف الثروات، يقتضي أن يتم الرفع من مستوى الأداء في القضايا التقليدية التي تحط في رحاب المحاكم من حقوق مواطنين في شتى المجالات، مسائل نزاعات تتطلب حنكة وجرأة وعدالة في معالجتها، بعيدا عن أي شبهة أو تفسير يتعاطى معه الأطراف.
افتتاح السنة القضائية لهذا العام من طرف الرئيس تبون محطة لتصويب المسار القضائي تزامنا مع ورشات إصلاح، أعلن عنها وزير العدل بهدف تبسيط العمل القضائي وإزالة مواطن الغموض بما يحصن الحقوق ويقلص من هامش السلطة التقديرية لرجل القضاء، فالعدالة ميزان لا يهتز أمام أي إغراء أو إغواء، رجاله من طينة لا تحول ولا تنهزم أمام عواصف تحركها مراكز نفوذ أو جماعات مصالح، ما يضع القاضي أمام محكمة التاريخ لما تتسم به مهامه من خطورة على استقرار المجتمع ونجاح التغيير السليم.
ومع وجود كل الضمانات التي تحمي القاضي موازاة مع تحسين ظروفه المهنية والاجتماعية، بالرغم من صعوبة المأمورية وسط مناخ متداخل ومتضارب، فإنه يتموقع في واجهة الأحداث بحيث لا يخشى لومة لائم في قول الحقيقة واستظهارها بتقنيات واحترافية أداء، ضمن قوانين وإجراءات لا ينبغي أن تكون عائقا أو مطية لتضييع حقوق الناس في متاهات لا تحتمل.
لذلك وبالرغم من كثرة الملفات، لا ينبغي تبرير ظاهرة أحكام لا تليق بالقضاء، مثل التخفي وراء عدم الاختصاص يفسره البعض بتهرب من المسؤولية أو عدم تدقيق في محاضر الشرطة القضائية، أو تضييق هامش الحركة في المرفق القضائي، مسائل إلى جانب باخرة يرتقب أن تختفي ليستعيد القضاء توازنه، خاصة وأن من ضمنه كفاءات لها باع في تجسيد العدالة ومتشبعة بثقافة الانفتاح على المجتمع وأمامها عمل كبير ينتظر لتغيير صورة المرفق عما كانت عليه في سنوات سابقة.