أحصى المجلس الوطني لعمادة الأطباء الفرنسيين سنة 2018 أكثر من 14 ألف طبيب جزائري يعملون في المستشفيات الفرنسية، معظمهم تكوَّنوا ودرسوا في الجامعات الجزائرية، والمعروف عنها مجانية التعليم. فالجزائر التي كوّنت وعلّمت وأنفقت أموالا باهظة على هؤلاء الأطباء والمختصين لن تحصد ما زرعت بعد هجرتهم.
اللوم بطبيعة الحال قد لا يقع على عاتق الطبيب وحده والذي يبحث عن مصلحة شخصية وحياة كريمة كما يتصورها والهجرة في نهاية المطاف ليست جريمة. لكن إلقاء نظرة على حال المنظومة الصحية في بلادنا، قد يعطي المسوغات والمبررات اللازمة لهجرة المزيد مستقبلا.
فالطبيب المختص، الملزم بأداء الخدمة المدنية في إحدى ولايات جنوبنا الكبير، قد لا يجد المحفزات اللازمة لمواصلة العمل. والأمر لا يتعلق دائما بالحافز المادي؛ فمثلا توفير مسكن لائق كما تنص عليه القوانين المنظمة غير محترم في كثير من الأحيان، وحتى إن توفر هذا الأخير فالأطباء يجدون أنفسهم يعانون مع قلة الأدوات والأجهزة اللازمة للعمل لتقديم خدمة صحية عمومية محترمة للمواطن.
الإشكال، كما يبدو لي، لا يتعلق بالميزانية المخصصة لهذا القطاع الحيوي، بل تتعداه الى غياب الرشادة في التسيير العام، لاسيما وأن المستشفيات تسيطر عليها بيروقراطيات إدارية عاجزة أو غير مؤهلة لتطبيق الإصلاحات الضرورية!
لقد بينت جائحة كورونا، أن الأمن الصحي لا يقل أهمية عن أمن الحدود. وتوفير البيئة المناسبة لعمل الأطباء لم يعد خيارا، بل ضرورة تمليها الظروف الداخلية والدولية، لاسيما وأن الجزائر تشهد نزيفا كبيرا في هجرة الأدمغة والكفاءات على جميع الأصعدة، وإيقاف هذا النزيف يحتاج الى عمل وتقييم جاد للوضعية الحالية لدعم المكتسبات وهي موجودة، مع تصحيح الأخطاء وهي كثيرة أيضا.