جراح لبنان عديدة والأزمات التي تحاصره مقلقة، وفي كل مرة يتجاوز فيها التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، تطفو مستجدات تصعّد الأوضاع الراهنة، مستجدات سلبية تحمل تعقيدات لا تبشر بالخير، فبعد أن بدأ الارتياح ينساب إلى نفوس اللبنانيين، عقب بدء تلاشي الأزمة السياسية، إثر النجاح في تشكيل حكومة نجيب ميقاتي وبداية رسم قنوات واضحة وسلسة لاحتواء الأزمة الاقتصادية الخانقة وغير المسبوقة عبر فتح قنوات حوار مع صندوق النقد الدولي، اتضح أنّ بيروت على الطريق الصحيح وصار كل شيء على ما يرام لاستعادة الاستقرار والهدوء والثقة، عوامل تمثل حجر الأساس لبناء البلاد ورص الصفوف والتلاحم الضروريان في مسار مستقبل آمن.
أيّ تصعيد سياسي أو انفلات أمني في هذا الوقت بالتحديد سيعمق الخلاف ويرسخ الفرقة والتباعد في صفوف اللبنانيين، ومرفوض من الشعب تحت أيّ ذريعة، ويجب أن يحذر منه جميع اللبنانيين لأنّ ضياع الاستقرار صمام الأمان، ستكون كلفته باهظة، لأنها تجعل مستقبل بلدهم في خطر والتحكم لإزالة الفوضى على المحك، خاصة أن اللبنانيين مازالوا يتذكرون جيدا خسائرهم وضحاياهم وآلامهم وجراحهم التي تكبدوها في الحرب الأهلية اللعينة التي مازالت ذكراها جاثمة على صدورهم ولعل ما حدث، نهاية الأسبوع الماضي، سيكون حادثا عابرا لن يتكرر بتغليب الحكمة ومصلحة الوطن، ومهما تحركت الخلافات حول عديد القضايا من بينها طريقة إدارة التحقيق في تفجيرات “مرفأ بيروت” لا ينبغي أن تؤدي إلى انزلاق ثمنه سيدفعه الجميع، من فقراء وأثرياء ومسؤولين وعامة الناس على حد سواء، لأن الوقت سيكون قد فات لإنقاذ وطن كان في وجه فوهة بركان.
اللبنانيون يتمتعون بوعي كبير وفي رصيدهم تجارب عديدة، استلهموا منها دروسا قاسية لن ينسوها وبإمكانهم حلحلة الأزمات العالقة، وإزالة شوائب أخطاء كل ما سبق ويمنعوا كل من يحاول تأجيج لهيب الفوضى والعنف، لأنهم مدركين حجم الشر الذي يتربص بهم، وكما بدا صعبا، خلال الأشهر السابقة، تفكيك الأزمة السياسية، فمن السهل تغليب قوة القانون على مختلف المسائل المختلف فيها، وجعله السند الذي يحسم في النقاط المتنافر حولها، ولعل سقفا كبيرا من الشفافية في تسيير الأمور يضع حدا لمن يصطادون في المياه العكرة وجر لبنان إلى مصير مجهول ومخيف.