ما حدث في لبنان من تصعيد وانفلات أمني مخيف، أكّد مدى خطورة الانقسامات داخل المكوّن السياسي اللبناني وبلوغها مستويات غير مسبوقة، تزامنا مع أزمة سياسية واقتصادية لم تكد تبرح حتى تتعقّد الأوضاع أكثر فأكثر مع تصاعد سطوة الطّامحين للسّلطة!
ففي الوقت الذي انتعشت فيه آمال الشعب اللبناني منذ أيام بتعيين حكومة نجيب ميقاتي، في انتظار انتعاش الحياة الاقتصادية والاجتماعية، أعادت مشاهد الرعب في العاصمة بيروت إلى الأذهان خطورة المشهد السياسي ومآلاته على مصير البلد.
وحوّلت مظاهر الاشتباكات الدموية التي راح ضحيتها أبرياء شوارع بيروت إلى مشهد دراماتيكي جراء انتشار غير منطقي لمختلف الأسلحة المستعملة في القتال على مرأى ومسمع العالم، الذي استيقظ على خبر عاجل للاشتباكات عبر مختلف الفضائيات، دون وضع في الحسبان نفسية المواطن اللبناني المتدهورة، جرّاء تداعيات الأزمة الاقتصادية وأثرها النفسي السلبي، ما قد يفاقم الوضع الاجتماعي والأمني أكثر بكثير، ويعمق معاناة السلطة اللبنانية لمواجهة التحديات المتصاعدة.
من دون شك أنّ اللبنانيّين يدركون مدى بلوغ حدة الانقسامات بين المكون السياسي، كما يدركون كذلك أن كل طرف تقف خلفه جهات أجنبية تستفيد من بقاء الفوضى.
وهذا ما يؤكّد مكانة لبنان الإستراتيجية والجيوسياسية كونها أصبحت فاعلا في العلاقات الدولية بمنطقة الشرق الأوسط لاسيما بين قطبي النظام العالمي التقليديين واشنطن وموسكو، الأمر الذي أدّى لتدخّل أمريكا بشكل عاجل على الخط وإرسال مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية ولقائها كبار المسؤولين اللبنانيين بعد زيارة مماثلة قادتها نحو روسيا لبحث آليات وقف التصعيد المتزايد وخطره على دول الجوار لاسيما حينما يتعلق الأمر بأمن الكيان الصهيوني.
لكن يبدو أنّ وقوع الاشتباكات في هذا التوقيت هو رسالة أرادت من خلالها أطراف إسماع صوتها داخل لبنان وخارجه، والمؤكّد أنّ الرّسالة وصلت لمتلقيها بشكل غير مباشر، لتبرز مدى هشاشة حلول الأزمة السياسية واقتصارها على مدى قريب ناهيك عن افتقارها لعنصر الاستشراف المؤدي لحل كافة الأزمات في لبنان!