يبدو أنّ ليل لبنان ما زال طويلا، والمحنة التي يعيشها جرّاء أسوأ أزمة اقتصادية يمر بها في حياته، والتي حوّلت الشعب اللبناني إلى واحد من أفقر شعوب المعمورة، ماضية لتتحوّل إلى كابوس حقيقي بعد أن بدأ الوضع ينفلت والشوارع تلتهب والضحايا يسقطون، والجميع يعلم ماذا يعني خروج الخلافات في لبنان لتصفيتها في الشوارع، والكل يستذكر برعب شديد سنوات الحرب الأهلية المريرة التي بات البعض يلمح مقدماتها، ويتحسّس دوافعها ومسبّباتها، من تدنّي مستوى المعيشة مع ما يرافق ذلك من غياب أبسط ضروريات الحياة من طعام ودواء وكهرباء ووقود..واستمرار الطبقة السياسية التي قسّمت جغرافيا البلاد الصغيرة فيما بينها وشكّلت كل واحدة “دولتها” الخاصة، في التشاحن وتبادل الاتهامات والتهديدات، دون أن تعلم بأنها والشعب سواء، كلّهم داخل قارب واحد، يشتعل نارا، وبدل العمل على إطفائها، فهم ينفخونها ويزيدونها التهابا لينتهي الجميع في قاع البحر.
في لبنان كل شيء خارج المألوف، الشعب بدل أن يكون واحدا موحّدا، فهو مقسّم ومفتّت إلى طوائف ومجموعات وتحالفات، وحتى عوائل تتحكّم بالمشهد والوضع بالوراثة دون أن تتّفق على شيء وكأن وحدة لبنان وأمنه لا يعنيها، وفي الغالب “جنرالات الطّوائف” المتحكّمة في لبنان، مرتبطة بجهات خارجية تأتمر بأوامرها وتنفّذ أجنداتها، وكلها للأسف الشديد مدمّرة ومؤجّجة للفرقة والخلافات. وفي لبنان أيضا دولة لا تحظى برئيس إلا بشق الأنفس، وقد حصل وأمضت هذه الدولة الشقيقة ما يقارب السنتين بكرسي رئاسة شاغر، كما أنّ حصول الحكومة على الإجماع يمرّ عبر غربال هذا الحزب، وذاك التحالف، ليعرقلها هذا، وتجهضها تلك الجهة المسنودة إلى فاعل خارجي، ونحن للأسف الشديد نقف على هذا الواقع منذ أكثر من سنة، فمنذ إقالة حكومة دياب إثر انفجار المرفأ، وإلى غاية تسمية ميقاتي قبل أسابيع ولبنان بلا حكومة، مع العلم أنه إذا كانت حتى البيوت تتطلّب رب أسرة ليسيّر أمورها، فكيف تسيّر أمور بلد مشبّع بالأزمات والتحديات مثل لبنان دون رئيس أو دون حكومة، وحتى جيشه، فسلطته تبقى محدودة مقارنة بالقدرات العسكرية التي يتملكها البعض.
لبنان اليوم في مفترق الطرق، ولا خلاص له إلا بتوقف جنرالات الطّوائف عن تأجيج الوضع، فهو لا يحتمل، وبدل ذلك عليهم أن يسخروا معارفهم وارتباطاتهم الخارجية لجلب المساعدة للشعب اللبناني المطالب هو أيضا بأن لا يقع في شرك الانقسام، ولا ينخرط في حرب الشوارع التي يجرّ إليها جرّا، لأنه في النهاية هو من يدفع الثمن الغالي.