يشهد سوق الطاقة العالمي هذه السنة تحولات عميقة، خاصة مع ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في مناطق متفرقة من العالم، حيث بلغت أسعاره مستويات قياسية بلغت 6,4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أكتوبر الجاري (2021)، علما أن سعر الغاز الطبيعي لم يتجاوز 1,6 دولار في ديسمبر 2019 مع بداية جائحة كورونا.
العديد من الخبراء ربط الارتفاع المفاجئ للأسعار بزيادة الطلب في الدول الكبرى، لاسيما بعد رفع قيود الحجر الصحي وبداية انتعاش الاقتصاد العالمي، وضعف المخزونات الاستراتيجية من الغاز الطبيعي في أوروبا بالتحديد.
هذه التحليلات على الأرجح منطقية وتفسر الزيادة الحالية، إلا أن المختصين لا يتوقعون انخفاض الأسعار في القريب العاجل، لاسيما وأن الغاز مرشح لأن ينافس النفط في المستقبل القريب ليصبح المصدر الأول للطاقة في العالم وهذا مدعوم بعدة دلائل واقعية أهمها:
- التغيرات المناخية والتي فرضت على الدول التوجه إلى الغاز الطبيعي والتخلي عن الفحم الحجري في إنتاج الكهرباء وتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري المتسبب رقم واحد في ظاهرة الاحتباس الحراري.
- الكثير من الدول تخلت عن فكرة بناء منشآت تعمل بالطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، بالأخص بعد حادثة فوكوشيما في اليابان، إذ أن تكاليف الصيانة والتأمين من المخاطر مرتفعة جدا ولا يمكن التحكم فيها في الدول النامية بالخصوص.
- العديد من الشركات الكبرى في صناعة السيارات أعلنت تخليها عن محركات الديزل والبنزين لصالح المحرك الكهربائي بشكل كامل مع حلول سنة 2026، ما يعني استهلاك مزيد من الطاقة الكهربائية المنتجة أساسا من الغاز الطبيعي. وبالتالي فهذه المؤشرات تجعل من الغاز الطبيعي طاقة المستقبل النظيفة؛ تحوّل يصب في مصلحة الجزائر من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية، لاسيما وأن الجزائر تمتلك مخزونات هائلة من الغاز متمثلة في 5 تريليونات متر مكعب من الغاز الطبيعي و20 تريليون متر مكعب من الغاز الصخري.
اقتصاديا، تمنح الثروات الطبيعية قيمة مضافة للدول المالكة لها، لكن «منطق الريع» قد يحولها إلى نقمة، وعلى صناع القرار أن يستخلصوا الدروس من التجارب السابقة لكي لا نكرر أخطاء الماضي.