تسعى المستقبليات دوريا لإدراك الأحداث والمستجدات العالمية المتوقعة، وقراءة التحولات والمتغيرات التي تنطلق منها، هكذا يريد أن يدرك العالم الأهداف التي يريد أن يصل إليها، والمخاطر التي ينبغي أن يتجنبها، في ضوء تكاثر التحديات وتشابكها، حيث تصبح الرؤيا الإستراتيجية طويلة الأمد ضرورة ملحة.
من هنا وجب أن ندرك أين نحن فعلا مما يحدث في العالم، وأين نريد أن نصل بشكل واقعي ومحدد، وماهي المخاطر والتحديات التي تواجهنا في شتى المجالات، خاصة في الاقتصاد وحاجات المجتمع الملحة والمخاطر الفكرية والأمنية التي تظهر دوريا، في ضوء تحولات عالمية فارقة ومتغيرات كبرى في الاقتصاد ومراكز القوى، والتكتلات الجيو-استراتيجية المتنامية في العلاقات الدولية.
لقد وضعت الأمم والدول مخططات ورؤى لما تريد أن تصل إليه في مرحلة ما من تاريخها اللاحق، مع حشد القدرات والإمكانات اللازمة التي تضع الموازين قبالة الأهداف والقدرات المنشودة، وتحقيق تحول سياسي واقتصادي يستجيب لمعايير أفضل وأسمى في منظور العلم والتجربة الديموقراطية، وأضحى انتهاج هذا المنحى الإستراتيجي أكثر من ضرورة للجزائر التي تمر بتحول مهم في تجديد ذاتها وبناء نسق مستحدث من الإدارة والحكم، من خلال تشخيص المسائل الملحة والتحديات البارزة من جهة واستشراف المستقبل من ناحية أخرى، ووضع مخططات لمعالجة مخاطره وتحدياته المقابلة.
تكمن المقاربة الأهم في معالجة الجوانب الاقتصادية وبناء قطاعات منتجة للثروة، بينما نحن نستنفد مُقدراتنا الطبيعية التي تستهلك كمواد خام، فيما تستمر أجيال التصنيع في النمو والرقي من ناحية المعرفة والتكنولوجيا، بينما تنمية المقدرات الذاتية داخليا تعتبر قلب المعركة في الرقمنة والاستغلال المنهجي المحكم للموارد البشرية والطبيعية، واستنهاض البحث العلمي والتخطيط الإستراتيجي لتقدير الموقف ومقابلة المستجدات بأكثر قدرة وكفاءة، مع الاستفادة من خبرة وأفكار الباحثين والممارسين في الداخل والخارج، والاستلهام من التجارب الإنسانية والنماذج الناجحة في العالم في الميادين المهمة والملحة.
إن التفكير والتخطيط للمستقبل صلب أي تحدٍّ، ينبغي معالجته بالأشكال والطرق الملحة في ظل عالم يمر بالسرعة القصوى نحو التحول والتطور في مجالات التقدم الإنساني والعلمي والتكنولوجي.