بعد أن تخلصت الشعوب الإفريقية من الاستعمار الفرنسي الغاشم ونالت استقلالها، سعت باريس للحفاظ على نفوذها في تلك الدول بشتى الطرق، والاستثمار في مشاكل الأفارقة عبر التدخل العسكري المباشر والذي غالبا ما يبرر بوجود تهديدات أمنية أو إرهابية تؤثر على الاستقرار الوطني والإقليمي للبلدان المضيفة، والسعي إلى الهيمنة الاقتصادية عبر تحويل الدول الافريقية إلى «بازار» لتصريف المنتجات الفرنسية دونما استثمارات حقيقية تساعد تلك الدول على تحقيق التنمية الشاملة، ومواصلة نهب ثرواتها الطبيعية بأرخص الأثمان.
عسكريا، مازالت فرنسا الدولة الأكثر حضورا في القارة السمراء بـ4 قواعد دائمة في كل من جيبوتي والغابون وساحل العاج والسنغال، أضف إلى ذلك العديد من القواعد المؤقتة في مناطق متفرقة، مثل الكونغو وأفريقيا الوسطى. ولم تنجح هذه التدخلات في تحقيق الأهداف المعلنة على الأقل والمتعلقة بمحاربة الإرهاب، وإن كان الهدف الحقيقي لهذا التواجد العسكري هو حماية المصالح الاقتصادية الفرنسية في أفريقيا.
وبالعودة للاقتصاد جوهر الصراع في العصر الحديث، فالأرقام كارثية بالنسبة لفرنسا. فخلال الفترة 2000 - 2017، تضاعفت الصادرات الفرنسية إلى القارة الأفريقية من 13 إلى 28 مليار دولار، لكن في سوق ازداد حجم الصادرات فيه من حوالي 100 إلى 400 مليار دولار سنويا، باختصار حجم الكعكة تضاعف أربع مرات، لكن الفرنسيين كانوا يتقدمون بسرعة أقل من المنافسين وبالأخص الصينيين، لاسيما وأن بيكين أصبحت الشريك الاقتصادي الأول لإفريقيا بدون تواجد جندي صيني واحد في القارة، حيث شكلت الصادرات الصينية لإفريقيا ما مجموعه 111 مليار دولار بنسبة 27٪ مقابل 7,3٪ فقط لفرنسا.
سنة 2008، صرّح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قائلاً: «بدون إفريقيا، فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث»، ربما قالها بأسلوب لبق وقصده دون نهب افريقيا فرنسا لا تساوي شيئا، على فرنسا أن تعي أن أفريقيا تغيرت على الأقل في شمالها وتعاون رابح-رابح هو السبيل الوحيد للازدهار المشترك وليس المتاجرة بقضايا التاريخ وتزويرها.