أنا من أنصار محو الأمية في كل مكان وزمان، حتى بالنسبة للمتعلمين! قد يبدو هذا الكلام غريبا، لكن الأمية التي صنّفتها اليونسكو مرات ومرات، وأصبح من لا يتقن أربع لغات، في عرفها، أميّ، في زمن الأمية فيه أنواع وألوان.
أقول هذا الكلام، وأنا أتابع افتتاح الرمزي للموسم الدراسي لفصول محو الأمية وتعليم الكبار، من برج بوعريريج، وهي مهمة أدت إلى تقليص الأمية إلى 7,96 بالمائة وطنيا.
محو الأمية «التقليدي» معروف من حيث أنه جسر لإزاحة باب من أبواب الجهل في الرؤوس، يبدأ بتعلم ما يسمح بمعرفة العلوم وقراءة التاريخ وتمفصلات الماضي والحاضر والمستقبل، لكنه يبقى خطوة أولى نحو «محو الأميات»، التي نواجهها في العالم الحديث وما ينتظرنا في المستقبل..
في هذه يستوي المتعلم المُطالبُ بمحو أمية من أميات العصر الحديث، والفلاح المطالب بأن يكون رفيقا للبيئة، وبالتالي مُطالبٌ بمحو أمية استخدام ما ينفع المحيط والطبيعة، لا ما يضرهما.
«الأمية التكنولوجية» تطرح نفسها علينا جميعا، ومنها تتفرع أميات علينا الاستعداد لتجاوزها في يومياتنا، من استعمال الدفع الإلكتروني الى التمدرس عن بُعد، ليس من باب تلميذ له استعداد لذلك، بل من باب أولياء تلاميذ لم يتخطوا الأمية الأولى، فما بالك بـ»الأميات المتجددة»..
الأمية البيئية هي التي تتيح انتشارا كبيرا ومدمرا لحرائق الغابات، وهي بوابة كبيرة تسمح لـ»أرانب الفلاحة» بـ»تسمين البطاطا» بمواد كيماوية محظورة دوليا، وبيعها لنا بما يتجاوز المائة دينار، دينار ينطح دينار، من أجل مادة أميتنا البيئية والفلاحية لا تسمح لنا بمعرفة محتوياتها، عدا النشاء الطافح من القدور، بعد طهيها..
الأمية الاقتصادية، شكل من أشكال الأميات، التي تُصعّب الانتقال إلى نماذج استثمار جديدة، ومنها إلى عوالم تجارية مدرة للثروة، وقابلة للثورة على شكل جديد من التنظيم وتوزيع العمل، وفق مقتضيات الحاجة والتطور..
والأمر نفسه ينطبق على أمية جامعية تشُدنا، نظريا، إلى منظومات فكرية متصارعة حول قطبية ثنائية، لم يعد لها وجود، والى مراكز صناعة قرار، يعبث بها من يتحكمون في الأحوال الجوية الدولية، ليس بالبترول والغاز، بل بالطاقات المتجددة، وأساليب حياة ومنظومات مبتكرة، للعقل فيها حق «الفيتو» ولمنتجيها حق توزيع الأدوار مستقبلا..