سُئل الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذات يوم في مؤتمر صحفي أثناء زيارته إلى لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت، عن رأيه في إعادة أحد المجلات المارقة نشر صور مسيئة لنبي الرحمة محمد عليه أفضل الصّلاة والسّلام، ردّ قائلا: «لا يجب أن أعلّق أبدا على خيارات تحريرية لصحفي أو صحيفة، لأنّه هناك حرية للإعلام في فرنسا».
فماكرون يصر في كل مرّة على أنّ إهانة الرّموز الدّينية والمقدّسات وجرح مشاعر ملايير البشر يندرج ضمن حرية التّعبير في قيم فرنسا، وهي قيم غير قابلة للمساومة أو حتى التّعليق عليها حسب المنطق الماكروني!
لكن الغريب أنّ تلك الحريات التي يتشدَّق بها الرّئيس الفرنسي في كل مرّة لم تتّسع لعرض صوره بزي السّباحة في معرض لصور «رؤساء فرنسا أثناء الإجازة» أقيم في باريس، فأقدم هو وعقيلته بريجيت على تقديم شكوى ضد المصوّر بحجّة انتهاك الخصوصية، فهل قيم الجمهورية تستثني الرّئيس القائل «حرية التّعبير مبدأ مطلق في فرنسا»؟
هذه الواقعة ذكّرتني ببيت شعري شهير لـ «أبو الأسود الدؤلي»، والذي قال فيه «لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتيَ مثلَه عارٌ عليك إذا فعلت عظيم».
ماكرون الذي تميَّز عن سابقيه كما بدا لنا في بداية رحلته نحو قصر الإليزيه بالتّصريحات التي أطلقها عندما كان مرشّحا للانتخابات، مؤكّدا أنّ ما حدث خلال فترة الاستعمار في الجزائر يمكن أن يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وهي بالفعل كذلك وأكثر، فاجأنا من جديد بمنطق التّناقضات الذي أصبح يتقنه بقصد أو بغير قصد حينما طلب «الصّفح» باسم فرنسا من الحركى بائعي أوطانهم. منطق غريب، حينما يتحوّل الخائن إلى بطل، والسب إلى حرية تعبير، بالفعل إنّه منطق ماكروني غريب!