تفاقم حجم الأخطار الجدية التي تهدّد استقرار منطقة الساحل الإفريقي أكثر من السابق، بفعل عدم قدرة القوة العسكرية الأجنبية، وعلى وجه التحديد الفرنسية المنخرطة بهدف الحسم في تطهير هذه المنطقة الإستراتجية الغنية بالثروات الباطنية من الإرهاب والجريمة، وتجارة المخدرات والأسلحة، ويتخوّف أن تتحوّل هذه المنطقة إلى وجهة لتنظيمات إرهابية نازحة من سوريا والعراق، بعد تأكيد تسلّل العديد من إرهابيّي «داعش» إلى الصحراء الكبرى للاحتماء بقساوة المناخ وفقر المنطقة، ممّا يسهل عليها تنفيذ المزيد من مشاريعها الإجرامية عبر تكتيك شيطاني يستخدم فيه أسلوب الابتزاز وطلب الفدية.
يدفع كل من الفقر والتخلف والجوع والمديونية وعدم الاستقرار السياسي إلى تشكل بيئة متعفّنة، ومهيّأة لتفريخ المزيد من الجماعات الإرهابية التي ستغرق المنطقة في دوّامة من الفوضى تضع شعوب بلدان المنطقة وما جاورها على فوهة بركان، ومن يعتقد أن هذا الخطر سيتوقف عند أسوار منطقة الساحل، لا يملك أي رؤية بعيدة المدى، لأنّه في ظل العولمة وتنامي مخاطر النزوح والهجرة غير شرعية نحو دول الشمال، فإنّ التّهديدات ستنتقل إلى عقر القارة العجوز.
القوى الدولية والإقليمية تدرك حجم التحديات المفروضة، في وقت يواجه النّظام الدولي قنبلة موقوتة تجعل من هاجس الإرهاب الدموي تهديدا جيو استراتيجيا ثابتا تعذّر القضاء عليه، ممّا يؤكّد مرة أخرى أنّ القوة العسكرية وحدها لن تجدي نفعا، بل الحلول الأمنية منفردة نتائجها مؤقّتة، واستمرار عمر الجماعات الإرهابية ولا يهدّد الأمن الإقليمي وحده، لأنّ بؤرة واحدة تنتج العنف ستشجّع على تغذية استمرار وامتداد اليد الإرهابية نحو أهداف إستراتجية بعيدة المدى ويمكنها المساس بمصالح قوى دولية وازنة.
إذن دق طبول الحرب لاجتثاث جذور الإرهاب لا تكفي، ولا يمكن وحدها توفير العلاج الذي يستأصل العنف ويعيد الحياة الغائبة للإنسان في الصحراء الكبرى، بفعل قسوة الطبيعة وشدة البؤس وحدة الفقر ورحى المعارك، وإنما احتواء الأزمة الإنسانية ووقف تهميش المورد البشري قبل تحريك صوت المدافع.