عندما يغيب الأب عن الأسرة غالبا ما تبقى بلا سند ولا كفيل، والأهم من ذلك بلا درع أمان يحميهم من ضربات «الزمان» الموجعة، ما يحوّل المُكوّن الأساسي للمجتمع إلى لقمة سائغة في فم الطامعين والصائدين، لذلك غالبا ما ينتهي أغلب أطفال الاسر المشتتة أو المتصدعة على هامش المجتمع خارج إطار القانون أو الحياة الاجتماعية، فهم الأعضاء المفضّلون لتوريطهم في الاجرام وكل العمليات المشبوهة بسبب كسرتهم وانهزامهم في «معركة» الحياة.
تلك الأسرة «الجريحة» الفاقدة لأسس العائلة القوية تفقد حلقة «صلة الرحم» في كثير من الأحيان بعد وفاة المعيل والسند، لتجد نفسها امام استقالة جماعية للمحيط القريب من كل «واجب» اتجاهها، فيسقط الالتزام الأخلاقي اتجاه تلك «النواة» الصغيرة، الهشة هروبا طبعا من «عبء» مالي يعتبر «حبلا خانقا»، لذلك يكون الرفض والتهرب والتنكر أسهل الطرق للتخلص منه.
وبينما يكبر أولئك في كنف والدين يعملان المستحيل لإبعادهم عن «مخاطر» الحياة وانحرافاتها، يجد هؤلاء أبناء المتوفى وأرملته أنفسهم وجها لوجه مع الشق المظلم من المجتمع، شق يتوشح السواد لإخفاء تقاسيم شر جارف لا «يفقه» شعور الرحمة أو الشفقة، لتبدأ أولى فصول انهيار المجتمع، فـ «موت» الضمير بداية المأساة الحقيقية لهذا التجمع الإنساني الهادف الى بناء اجتماعي سوي تتعزز علاقاته وروابطه الإنسانية بمفهوم الاسرة والعائلة، وما عدا ذلك سيتحول لا محالة الى «مجموعة» من افراد تسير تحت سلطة قانون الغاب البقاء فيه للأقوى.
ومع مرور الوقت يجد الأطفال أنفسهم غارقين في وحل لا يمكن الخروج منه، فمع اتساع رقعة الرافضين والمهمشين لهم يزداد الخطر على شتى أنواعه، ولنا في تلك قصص عاشها كثير منا خير دليل على الآثار الكارثية لتنصل عائلة عن أبناء من توفى من أفرادها، بالرغم من أن المجتمع بالأمس القريب كان يتنافس أفراده لتبني الايتام وحمايتهم، فأيّ خراب أصاب أخلاقنا حتى جفّت قلوبنا، وأصبحت أقسى من حجر الصوان.