أسالت صفقة/أزمة الغواصات الفرنسية كثيرا من الحبر، وتصدّت لها أقلام بالتحليل ومحاولات قراءة الماضي، والحاضر، والمستقبل.. ولن نتطرق هاهنا إلى فكرة سباق التسلح التي طفت مجددا إلى السطح، ولا إلى الطرح «الساذج» الذي يعتبر انتشار السلاح وتكديسه ضمانا للأمن، فيما يثبت التاريخ عكس ذلك.
ولكن ما يثير الانتباه في هذه «الأزمة» هو الوضع الذي بات العالم يعيشه، عالم لكلّ «بلد» فيه شأن يغنيه، حيث لا يعلو صوت على صوت البراغماتية والمصلحة الضيقة، حتى بتنا نرى الدول داخل الحلف الواحد تتنافس فيما بينها بهذه «الشراسة»..
وقد سبق أن رأينا حذرا وتسابقا مشابهيْـن مع بدايات أزمة كوفيد19، حينما تهاوت المنظومة الأخلاقية الدولية إلى مستوياتٍ مخيفة، رفعت فيها «دول المقدمة» شعار «نفسي نفسي»، متناسية قيم التسامح والإنسانية التي لطالما كانت شعارها المعلن.
الأمر أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية، التي يطوف فيها المتبارون على كراسٍ أقلّ من عددهم، وحينما تتوقف الموسيقى يسارعون إلى الجلوس، ويكون الخاسر من لا يجد كرسيا.. والدول هاهنا هي التي تتبارى على الكراسي و»الغنائم» التي يتناقص عددها، أو هكذا يخيّل لنا..
من أجل ذلك، إذا جاء أحد «المبشّرين» يغنّي على أسماعك أغنية قوامُها الوعود والشعارات فاحذره، لأن أغنيته قد تكون جزءًا من لعبة الكراسي الموسيقية، حتى وإن كانت كلماتها جميلة رنّانة.. وبمجرّد أن تنتهي الأغنية، تجده استولى على كرسيّك، وعلى مقدّراتك، وتركك مطروحا على قارعة التاريخ.