لم يعد خفيا أن الجهات التي تقف أمام قطار المصالحة والسلام في ليبيا كانت بالأمس القريب تدعو إلى تحرير السلطة الليبية السابقة من الهيمنة الخارجية، وجعلوا ذلك حجة لاستمرار وقوفهم وعرقلتهم لكل الجهود المبذولة لإخراج البلاد من مأزق الأزمة السياسية والأمنية التي لولاهم لكان إنهاؤها دون فقدان مزيد من أبناء الشعب الليبي ممن قضوا ضحية تضليل مزيف في غياهب ثكنات الميليشيات المسلحة.
مع استئناف مسار قطار المصالحة الوطنية بقيادة السلطة التنفيذية الجديدة ممثلة في حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الذين تمكنا في ظرف وجيز من تحقيق انتصارات كبيرة لصالح السلام عادت تلك الأطراف وللأسف للواجهة وممارساتها القديمة في عرقلة وحدة الليبيين بحجج قديمة جديدة واهنة تؤكد استمرار ذهنيات الأنانية والزعامة الزائفة بعد إدراكها لحجمها الحقيقي لدى غالبية الشعب الليبي، وهو ما قد يجعلها خارج أوراق خارطة الطريق الهادفة للوصول لانتخابات شرعية وشفافة وفق اتفاق الحوار السياسي، في حال استمرار أسلوب الابتزاز والازدواجية في التعامل مع واقع جديد أملته حكومة الوحدة بقطعها الطريق أمام الصيادين في المياه العكرة.
لكن تمسك السلطة الليبية الجديدة بقرار إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة باعتبارها عثرة أمام تحقيق الإستقرار الأمني وتوحيد المؤسسة الأمنية لم يعجب أطراف ليبية، وشكلت تصريحات وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش حول الملف ضربة قوية لمن يختبئون خلف الثورة الليبية جعلوا منها طيلة عقود عنوانا لوطنية مزيفة لا تخدم في حقيقة الأمر سوى مصالحهم الشخصية وترضي داعميهم من القوى الأجنبية المتنافسة على خيرات الشعب الليبي الذي علمته الثورة التمييز بين العدو والصديق، وهم غير بعيد عن فتح صفحة جديدة شهر ديسمبر القادم يختارون فيها رئيسا شرعيا لأول مرة في تاريخ البلاد، تكون من دون شك قطيعة مع ممارسات بائدة ظل أصحابها يسيطرون على جزء من البلاد كادت تقسمها إلى شطرين لولا وطنية وصدق نوايا حكومة الوحدة الوطنية في التمسك بشرعية وإرادة الشعب لإنهاء كل فصول الأزمة وقطع الطريق أمام نهج دعاة الفرقة رغم صعوبة المهمة في ظل هكذا ممارسات، إلا أن ضوء النور يلوّح في نهاية نفق المشهد الليبي ما دامت حكومة الوحدة تضع إرادة الشعب أمام أولوياتها لتحقيق مصالحة شاملة في الوقت قريب ليس بعيد.