لم يعد الأمر قابلا للاحتمال ووصل القلق إلى أعلى مستويات الدولة، حيث صدرت تشريعات وننتظر مراسيم تنفيذية، لمحاربة عصابات الأحياء الذين زرعوا الرعب في نفوس الناس وفرضوا قوانينهم الخاصة التي يبدو أنها تحدّت كل القوانين.
يحتلون الأرصفة التي يستغلونها نهارا لتجارة التبغ والخضر والفواكه نهارا، لتتحوّل «محلاتهم» إلى مواقف السيارات مع إجبارية الدفع وإلا تعرضّت للتخريب، وبين هذا وذاك يبيعون المخدرات خفية أحيانا وفي وضح النهار في كثير من الأحيان.
ورغم أمية أغلبهم، إلا أنهم يعرفون القانون جيّدا، فما أن يتم القبض على أحدهم حتى تتحرّك الجماعة للدفاع عنها وللشهادة في صالحه، وفي أسوأ الحالات فإن فترة بقائه في السجن تبدو غير مخيفة، وكثيرا ما كانوا يستفيدون من إجراءات العفو التي تطبّق في بعض المناسبات الوطنية الكبرى.
والأخطر في الأمر، أن تتحوّل السجون إلى أماكن للراحة وللتعرف على شبكات أخرى، قصد «تبادل الخبرات» وتوسيع النشطات، حتى تحوّلت تلك العصابات إلى عابرة للأحياء، بل عابرة للمدن، بل وأصبحت عصابات إجرامية منظّمة ليس أخطر منها إلا العصابات الإرهابية العابرة للحدود.
لقد توسّع نشاط هؤلاء مع غياب الرادع القانوني، وحتى الاجتماعي، وبلغ الخطر حد ارتكاب جرائم اعتداء وخطف على المباشر وأمام مرأى الجميع بدون أن يتدخل أحد من الناس وكأن الأمر لا يعنيه، وحتى بل رجل الأمن أصبح يخاف على حياته لو تدخّل وطبق القانون، ففي النهاية سيتعرّض للانتقام ولن يجد من يدافع عنه.
وبين التشريعات السابقة والمراسيم المنتظرة، يتوسّع خطر تلك العصابات يوما بعد آخر، إلى درجة أصبحت الحياة في بعض الأحياء لا تطاق، ويبدو أن العلاج لا يكمن في المزيد من القوانين، بقدر ما يكمن في تطبيق قانون العقوبات الحالي بعيدا عن أي تأويل خاطئ لمواده، فالخطر يزداد يوما بعد آخر، والوقت لا يتحمّل المزيد من الانتظار.