تعتمد الأنظمة السياسية في دول العالم لاختيار حكوماتها على معايير غالبا ما تكون محدّدة وفق أجندة النظام وتطلّعات المواطنين، سواء تعلّق الأمر بالأنظمة الديمقراطية أو الشمولية، غير أنّ الأخيرة يغلب عليها الطابع الاستبدادي في كثير من الأحيان. لكن المشهد حاليا في ليبيا يختلف عن تقاليد هذه الحكومات، إذ يعرف المشهد السياسي حراكا جديدا إثر استعداد عبد الحميد الدبيبة عرض تشكيلته الحكومية المؤقتة أمام مجلس النواب لمنحها الثقة وفق مخرجات الحوار السياسي في جنيف.
هذه الحكومة وإن كانت مؤقّتة لتصريف أعمال، مهمّتها الأساسية تعبيد الطريق أمام تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية شهر ديسمبر القادم حسب ما ينص عليه الحوار السياسي، إلاّ أنّ تشكيلها يمر بمخاض عسير نظرا لتعقّد الوضع العام، وصعود سقف تطلّعات المواطن الليبي الطامح إلى عهد جديد، بعد مرور عقد من الدمار والفوضى شهدتها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
لكن الدبيبة بشخصيته الوازنة في المشهد السياسي، يريد فعلا إنهاء الصّراع والتأسيس لـ «ليبيا جديدة» لا شرقية ولا غربية، يكون محورها الأساسي توحيد الشعب الليبي، وإنهاء الانقسام الحاصل في مؤسسات الدولة، ليقطع الطريق نهائيا أمام أعداء السلام في الداخل والخارج، وهذا ما جعله يختار شخصيات تمثل كل الطيف الليبي عبر أنحاء البلاد، حيث تمّ دراسة أزيد من 2300 سيرة ذاتية لشخصيات تريد المشاركة في الحكومة، وهذا ما يؤكّد صدق نوايا السلطة الجديدة لإخراج ليبيا من مربّع الفوضى والتوجه إلى عهد سلام شامل، بدأ بالتّوافق على مخرجات الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، ثم لاحقا إلى تعديل الدستور وتنظيم الانتخابات رغم التحديات الكبيرة، إلاّ أنّ إرادة السلطة التنفيذية أكبر، بعد أن بات يحذوها تفاؤلا شديدا ببناء مؤسسات نظام قوية تكون بعيدة عن هيمنة الخارج.
وكل المؤشّرات والمعطيات توحي إلى تحقيق هذه التّطلّعات بإعلان رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة مصالحة مع الشعب الليبي ومصالحة مع دول الجوار، لإرساء نظام على مقاس الليبيين، لا مكان فيه لأصحاب المصالح الشخصية ودعاة الجهوية القبلية التي أنهكت البلد وحالت دون حل الأزمة السياسية، وفق ما أتفق عليه قبل خمس سنوات.