شنّت الكثير من الشخصيات الأمريكية بما فيها المنتمية للحزب الجمهوري أو المتعاطفة معه هجمات حادة على الرئيس الأمريكي المودّع دونالد ترامب الذي أجّج حالة «التمرّد» المريعة التي شهدها مبنى الكابيتول، الأربعاء الماضي، معتبرة أنّ ما حصل من تحشيد واستعمال للعنف لمنع تصديق النواب على فوز جو بايدن، بمثابة الانقلاب على شرعية الصندوق والتمرّد على أسس الديمقراطية الأمريكية التي ظلّت على مرّ العصور تشكّل مصدر الهام للعالم أجمع، وأكّدت هذه الشخصيات أن المشاهد المخزية التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية للانتهاك الذي تعرّض له الكونغرس الذي يمثل المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية والهيئة التشريعية في النظام السياسي، لا تليق إلاّ بـ»جمهوريات الموز «وليس بجمهورية ديمقراطية مثل أمريكا، ومصطلح «جمهوريات الموز «للذين لا يعرفونه يتمّ اللجوء إليه أحيانا للاصطلاح، بطريقة ساخرة
على دولة غير مستقرة سياسيا أو اقتصاديا، وعادة ما يتم تداول قائمة شهيرة لـ»جمهوريات الموز»، تضم بلدانا في أمريكا الوسطى والجنوبية ومنطقة بحر الكاريبي، وقد يشمل المصطلح أيضا بلدانا في آسيا وأفريقيا، لكن يظل المقصود منه ليس الموقع الجغرافي، وإنما يستخدم في إطار الإشارة إلى الجانب غير المستقر للدولة المعنية.
أوّل ظهور لهذا المصطلح كان في كتاب صدر عام 1904، تحت عنوان: «الملفوف والملوك»، للكاتب الأمريكي أوليفر هنري، واستخدمه الأخير في معرض حديثه عن هندوراس التي سمحت حكومتها الديكتاتورية آنذاك ببناء مستعمرات زراعية أمريكية شاسعة لزراعة الفاكهة وخصوصا الموز على أراضيها مقابل المال.
ولم تكتف أمريكا بذلك، إنما دعمت أيضا انقلابات ضد حكومة هندوراس، وقامت بتنصيب رؤساء حلفاء لها، في حكاية لخصت وساهمت في ظهور مصطلح «جمهورية الموز»، أي الدولة التي تتمكن فيها الشركات الأجنبية من توجيه سياساتها، ويكون زعيمها رهين قوى أجنبية تتحكم في قراراته وفي سيادة بلاده.
إن وصف «جمهورية الموز»، الذي ساقته شخصيات أمريكية مثل الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن، قد لا يكون مبالغا فيه بعد أن باتت أعظم دولة في العالم تعاني من ظواهر لا نراها إلا في دول العالم الثالث وما دونه، من انقسام حاد داخل المجتمع، وتطرّف وعنف متزايدين، وتراجع للديمقراطية الأمريكية التي تواجه أزمة سياسية غير مسبوقة منذ مجيء ترامب الى السلطة ونتيجة رفضه القبول بهزيمته في الانتخابات وإصراره على قلب نتيجتها لصالحه أو تحطيم المعبد على الجميع.
إن اللّحظات الأخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي، المنتهية ولايته دونالد ترامب، هي بالفعل مربكة ومثيرة للكثير من الخوف ليس فقط على مستقبل ديمقراطية أمريكا ذات الجذور العميقة، بل وعلى وحدة شعبها، والأكيد أن بايدن سيرث مجتمعا ملغّما بالكراهية والانقسام والتعصّب، ومهمّته في إعادة توحيد الشعب الأمريكي قد لا تكون بالبساطة التي نعتق، لأن الشرخ عميق ورأبه يستدعي الكثير من العمل والجهد لتصحيح ما دمّرته معاول الترامبية.