لاشك أن ما يجري في ليبيا اليوم يتبث بالدليل القاطع أن التغيير الحقيقي لايمكن أن تحمله دبابات الناتو أو أي قوات قادمة من الخارج، ولا يمكن أن تفرضه فوضى الشوارع، أو ترسانة الأسلحة المنتشرة بين أيدي ميليشيات تصر على فرض منطق القوة والعنف وسياسة الغاب التي حولت البلاد إلى كرة لهب يزداد حجمها يوما بعد يوم ولهبها يخترق الحدود شرقا وغربا وجنوبا ويهدد بحرق المنطقة برمتها.
لا يمكن أن ننفي عن الناتو مسؤولية ما يجري اليوم في ليبيا ولا أن نبرئه من عواقب تدخله المشكوك في خلفياته ودوافعه، والذي عجل بتهديم النظام الذي كان في الأساس هشا ويفتقر لمؤسسات تقود المرحلة الانتقالية، وترك الحبل على الغارب لمليشيات حولت البلاد إلى “غابة سلاح “ وأصبحت الآمر والناهي، بينما عجزت نخب ما بعد التغيير في التأسيس لأي شكل من الدولة، وبرز دور القبيلة كقوة رئيسية، وبقيت هذه النخب عاجزة عن إخراج ليبيا من النفق لتدخل في متاهة من التناقضات والخلافات والصراعات القبلية والمناطقية، وباتت بعض الجهات تدعو إلى الانفصال، وتصرّ على فرض الاستقلال الإداري مهددة بذلك الوحدة الترابية والشعبية .
ضيّعت ليبيا البوصلة ولم تعد تدري في أي اتجاه تسير، وها هي تدخل مرحلة أكثر خطورة جرّتها إليها حركات يصفها البعض بالمتمردة والانقلابية و يعتبرها آخرون منقذة من الإرهاب وسلطة السّلاح وساعية إلى وضع العربة على السكّة والانطلاق في بناء أسس الدولة التي لن يستقيم الوضع بدونها .
وفي ظل هذا الوضع الذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، يخشى كثيرون من أن تكون بعض الجهات تعفّن الأرضية عمدا قصد تحضيرها لتدخل خارجي ثان سوف لن يكون هدفه زعزعة استقرار ليبيا أو نهب ثرواتها لأن هذين الهدفين تحققا قبل ثلاث سنوات، بل هز أمن المنطقة وتحويلها إلى بؤرة كبيرة للإرهاب على غرار ما كانت عليه افغانستان طيلة العقدين الماضيين، فهنالك من يتحرك لجعل أفريقيا وخاصة منطقة الساحل الملاذ الآمن الجديد لتنظيم القاعدة وللإرهابييّن الذين يسحبون تدريجيا من سوريا بعد أن أنهوا مهمّتهم القذرة هناك.
كلمة العدد
ليبيا تضيّع البوصلة
فضيلة دفوس
26
ماي
2014
شوهد:549 مرة