الجريمة في «السوشيل ميديا»

نورالدين لعراجي
27 جوان 2020

يبدو للوهلة الأولى أن أركان الجريمة الافتراضية هي نفسها الأركان القائمة في الجريمة الواقعية، وكلاهما يخضعان لنفس الإجراءات الجزائية في القانون العام، لكن الحقيقة أنهما عالمان منفصلان عن بعضهما البعض، من حيث الأركان، الأدوات والحيثيات.
لقد وجدت هذه الأخيرة الفراغ القانوني وغياب الخبرة التقنية، لتنتقل من العالم الواقعي إلى العالم الرقمي وتسيطر على المشهدين الأمني والإعلامي، مرتكزة على السباحة في مسارح الجريمة دون طوق نجاة، ودون احترام للحدود الوهمية المسموح بها إبحارا بالنسبة للمدونين.
تطور العالم الرقمي مع تدفق النت بشكل ملفت للانتباه ساهم بالإبحار في عوالمه بسرعة فائقة، دون أن تكون هناك عملية توازن بين النصوص القانونية والتطور التكنولوجي، مما عمق الفارق، في المتابعة والافتقاد إلى اكتشاف أدوات الجرم الافتراضي، بعد أن تجاوزت تقنية إرسال المعلومة كخبر فقط، إلى بعث الصورة المتحركة مع الصوت أيضا في شريط مرئي عابر، للأوطان والقارات لا يمكن للحواجز الثابتة أو الراجلة توقيفه، داخل مسرح الإبحار الافتراضي.
وإذا جزمنا أن السوشل ميديا هي اللب الأساسي في شبكة الأنترنت، إن لم تكن الوحيدة في العالم، بعد تطوير محتوياتها وإدخال بعض الروتوشات التقنية الجديدة عليها، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف اليوم «بالفايس بوك» بحكم أنها الأكثر إبحارا للمدونين، حيث فاق رقم المتابعة فيها ملياري متابع، في معدل زمني تجاوز 38 دقيقة، هذا ما يعزز فكرة إلغاء كل الحدود الجغرافية بأبعادها الوهمية، حيث أصبحت لا تساوي شيئا أمام تنقل المعلومة وولوجها جدران أصحابها دون إذن وبلا مقابل.
تحولت «السوشيل ميديا «من خزان عالمي للأخبار إلى مصانع لإنتاج المعلومات بكميات تفوق السنوات الضوئية نظير الكم الهائل من الصور، الفيديوهات، الأخبار، المعلومات والأرقام التي تبقى حكرا على جهة واحدة دون أخرى تستعملها كيف ما شاءت ومتى أرادت لذلك من سبيل، ومن خلالها تنتج الأخبار المغلوطة «الفايك نيوز»، ومنها أيضا تقدم المعلومات الصحيحة عن تحرك رؤوس الأموال من المؤسسات البنكية إلى الجهات الأخرى وتجنيد عناصر الدعم الإرهابي من الخلايا النائمة للجماعات المسلحة عن طريق الاستعلام الافتراضي عوض الإنساني، خاصة بعد الأحداث التي عرفها العالم سنة 2011، والتي جاءت بعد ثورات الربيع العربي، وارتباطها الوثيق بالسوشل ميديا.
إنه إلى زمن قريب لم تعد هذه القضايا تتصدر المشهدين الإعلامي والأمني، لكنها في الآونة الأخيرة ظلت جريمة قائمة الأركان وتهدد العالم برمته، ولنا في الواقع الكثير من الأمثلة عالجتها الجهات الأمنية، وأصدرت فيها المحاكم أحكاما قضائية بعد تفعيل النصوص القانونية ومواكبتها لما تفرضه الأولويات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024