سقطت ثلة صادقة من الرفاق والأبناء في الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، ليلة أمس بنواحي تيزي وزو، في اعتداء إرهابي غادر وجبان، أكد من جديد أن عناصره الإجرامية المدبرة والمنفذة لا تزال تشتغل لخدمة مصالح قوى أجنبية وأذنابها الداخلية، لاستهداف مقدرات الجزائر ومحاولة النيل منها عبثا بالروح المعنوية للشعب الجزائري المتجذرة في موقف صلب يتمثل في التمسك بسيادته وحريته ورفض أية وصاية أو مغامرة تحت أي شعار كان. إنها بحق، جريمة لا تغتفر تلك التي حدثت في واحدة من أعز وأشرف مناطق البلاد، حيث التاريخ ينطق ويحتفظ لسكانها بالتشبع الصريح بالقيم الوطنية وصدق الانتماء وروح التضحية، على امتداد تاريخ البلاد والأجيال المتعاقبة. ولم يتأخر السكان أبدا عن الوقوف وفي أحلك الظروف في صف رجل واحد مرابطين في خندق الوطنية، ثابتين على العهد، لا يتأخرون في الدفاع عن الجزائر وكرامة شعبها وحماية مكاسبها المحققة بالتضحيات الجسام.
تحتفظ الذاكرة الجماعية عبر تاريخ الحركة الوطنية وطيلة ثورة التحرير بصفحات عريضة، نيرة ناصعة، لا تقبل التشكيك، تشهد ببطولات أبناء المنطقة ضمن مسار الهبة الوطنية الكبرى التي فجرتها ثورة أول نوفمبر، من أجل كسر قيود المستعمر وإنهاء وجوده العنصري من أرض الرجال الأحرار، المتميزين بقيم التسامح والتضامن والدفاع عن العرض والشرف. بلا شك أن العودة المتألقة للجزائر على المستويين الإقليمي والدولي في كافة المجالات الدبلوماسية والاقتصادية بالارتكاز على خيارات استراتيجية تقوم على التنمية الشاملة في ظل الوئام والمصالحة، أزعجت الكثير من الجهات والقوى النافذة التي تستهدف البلدان والشعوب الهشة التي تقع أسيرة شعارات براقة، لكنها سرعان ما تكتشف الحقيقة المرة بعد فوات الأوان وبعد أن تفقد مكاسب أنجزتها الدولة الوطنية مقابل ضريبة الدم لنيل الاستقلال والعرق لبناء البلاد.
لقد خسرت الجماعات الإرهابية التي تغذيها أطروحات يروّج لها بعض الحاقدين بالخارج والمصابين بداء نزعة الانتقام في الداخل كامل أوراقها، منذ أن قرر الشعب الجزائري الالتفاف حول نفسه مؤكدا التزام خيار البناء الوطني المتجدد في ظل المصالحة وسلطان القانون بكل ما يرافق هذا المسار الحضاري من تعميق وترسيخ للحريات السياسية والفردية والجماعية تتقدمها حرية التعبير، وفي نفس الوقت الحرص على رفض أي مغامرة مهما كانت دوافعها تقود إلى المجهول في عالم يعرف صراعات أقرب لحروب غير معلنة من أجل السيطرة على الأسواق ومصادر الطاقة، بإثارة قلاقل واضطرابات حيثما يريدون ضرب الهدف وهو ما يدركه الشعب الجزائري بكافة أطيافه رافضا اليوم مثل الأمس، أي اعتداء على مقوماته ومقدراته الحيوية ومنها القوات المسلحة ويمكن تصور مدى الغضب في نفوس الجزائريين الأوفياء والمخلصين لأمانة الشهداء الأبرار والمجاهدين الأفذاذ الذين لم يبدلوا تبديلا جراء اعتداء إجرامي خسيس يصب في خانة مصالح العدو الظاهر والخفي.
ولا يمكن لجريمة اغتيال رجال من خيرة أبناء الأمة الصامدين في ثغور المواجهة على امتداد ربوع الوطن، أن تزعزع فيهم إرادة الدفاع عن الحرية والسيادة وحماية عزة وكرامة الشعب الجزائري، الذي لم ولن يقبل بأي شكل من الأشكال استهداف ذراعه الضارب لكل معتد أو طامع. ولعل ما أنجزه أولئك الأبطال، بإقدام واحترافية في موقعة تيقنتورين، خير دليل على مدى الجاهزية والفعالية التي يتميز بها الجيش الوطني الشعبي، الحريص على القيام بمهامه الدستورية بما في ذلك تأمين التعبير عن الإرادة الشعبية وحمايتها من أي ابتزاز أو مساومة ومن ثمة الانخراط كلية في ديناميكية البناء الوطني المتجدد بتعاقب الأجيال، بالمضمون المتطابق مع نص وروح بيان أول نوفمبر، الذي أنار الشعلة الوطنية للدرب الذي قاد إلى استرجاع السيادة الوطنية أثناء ثورة التحرير ولا يزال يمثل منارة للأجيال يحدد لها بوصلة المستقبل وركيزة قوية لبناء الدولة الوطنية.
جريمة لا تغتفر
سعيد بن عياد
19
أفريل
2014
شوهد:620 مرة